جَعَلْتَهَا مَجْمُوعَهَا عِلَّةَ الْأَصْلِ، وَإِنْ لَمْ تَطَّرِدْ بِاجْتِمَاعِهَا ضَمَمْتَ إِلَيْهَا رَابِعًا، ثُمَّ خَامِسًا ثُمَّ سَادِسًا وَلَا يَنْحَصِرُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى أَنْ يَجْمَعَ أَوْصَافَ الْأَصْلِ كُلِّهِ وَيَقْتَصِرَ بِالْعِلَّةِ عَلَى نَفْسِ الْأَصْلِ الْمَنْصُوصِ عَلَى حُكْمِهِ كَمَا قُلْنَا فِي عِلَّةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى أَحَدِ أَوْصَافِهَا انْتَهَى بِنَا التَّعْلِيلُ إِلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى نَفْسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَقُلْنَا: إِنَّ عِلَّتَهُمَا كَوْنُهُمَا أَثْمَانًا وَقِيَمًا.
وَمَنَعَ أبو حنيفة مِنْ هَذَا بِمَنْعِهِ مِنَ الْعِلَّةِ الْوَاقِعَةِ. وَمَنَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْصَافٍ وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ لَا نَجِدُ فَرْقًا بَيْنَ الْخَمْسَةِ وَبَيْنَ مَا زَادَ عَلَيْهَا أَوْ نَقَصَ منها. والله أعلم.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسلفَ شَيْئًا بِمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنِ اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ جَازَا مُتَفَاضِلَيْنِ يَدًا بِيَدٍ قِيَاسًا عَلَى الذَّهَبِ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُسلفَ فِي الْفِضَّةِ وَالْفِضَّةِ الَتِي لَا يَجُوزُ أَنْ تُسْلَفَ فِي الذَّهَبِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الرَّجُلَيْنِ إِذَا تَبَايَعَا لَمْ يَخْلُ مَا يَضْمَنُهُ عَقْدُ بَيْعِهِمَا عِوَضًا وَمُعَوَّضًا مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْعِوَضَانِ مِمَّا لَا رِبَا فِيهِ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ نَقْدًا وَنَسَاءً مُتَفَاضِلًا وَمُتَمَاثِلًا سَوَاءٌ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ كَبَيْعِ ثَوْبٍ بِعَبْدٍ، أَوْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَبَيْعِ ثَوْبٍ بِثَوْبَيْنِ، وَعَبْدٍ بِعَبْدَيْنِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ الرِّبَا دُونَ الْآخَرِ كَبَيْعِ عَبْدٍ بِدَرَاهِمَ أَوْ ثَوْبٍ بِطَعَامٍ فَهَذَا كَالْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهِمَا نَقْدًا وَنَسَاءً، وَيَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْعِوَضَانِ مِمَّا فِيهِ الرِّبَا بِعِلَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ كَالْبُرِّ بِالذَّهَبِ أَوِ الشَّعِيرِ بِالْفِضَّةِ فَهَذَا كَالْقِسْمَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ فِي جَوَازِ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا نَقْدًا وَنَسَاءً وَإِسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْعِوَضَانِ مِمَّا فِيهِ الرِّبَا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالْبُرِّ بِالشَّعِيرِ أَوْ بِالْبُرِّ، وَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ أَوْ بِالذَّهَبِ، فَلَا يَجُوزُ إِسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعِلَّةِ. ثُمَّ يُنْظَرُ فِي حَالِ الْعِوَضَيْنِ فَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْبُرِّ بِالْبُرِّ أَوِ الشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُمَا إِلَّا بِشَرْطَيْنِ: التَّسَاوِي، وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ.
وَقَالَ أبو حنيفة يَصِحُّ وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ.