للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الثَّانِي مِنَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْعِفَّةِ وَالْعَدَالَةِ بِوُجُوبِ الْبَحْثِ عَنِ الْعَدَالَةِ دُونَ الْعِفَّةِ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّ أَصْحَابَنَا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْبَحْثِ عَنِ الْعِفَّةِ مَعَ إِجْمَاعِهِمْ فِي وُجُوبِ الْبَحْثِ عَنِ الْعَدَالَةِ، فَلَهُمْ فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجِبُ الْبَحْثُ عَنِ الْعِفَّةِ فِي حَقِّ الْقَاذِفِ لِأَنَّ جَنْبَهُ حِمَى فَلَا يُسْتَبَاحُ عِرْضُهُ بِالِاحْتِمَالِ، فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِفَّةِ وَالْعَدَالَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْبَحْثُ عَنِ الْعِفَّةِ، وَإِنْ وَجَبَ الْبَحْثُ عَنِ الْعَدَالَةِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْبَحْثَ عَنِ الْعَدَالَةِ إِنَّمَا يَجِبُ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ مَعْصِيَةٌ فَجَازَ الِاسْتِظْهَارُ لَهُ بِالْبَحْثِ عَنْ عَدَالَةِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْعِفَّةِ، لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْهَا فِي حَقِّ الْقَاذِفِ وَالْقَاذِفُ عَاصٍ بِقَذْفِهِ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا لِمَا نُدِبَ إِلَيْهِ مِنَ السَّتْرِ عَلَى أَخِيهِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " هَلَّا سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ يَا هَزَّالُ " فَكَانَ بِأَنْ يَسْتَظْهِرَ عَلَيْهِ الْمَقْذُوفُ بِتَرْكِ الْبَحْثِ أَوْلَى مِنْ يَسْتَظْهِرَ لَهُ، ثُمَّ افْتِرَاقُ الْعِفَّةِ وَالْعَدَالَةِ فِي الْبَحْثِ لَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْعِلْمِ بِهِمَا مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ دَلِيلِ الْمُزَنِيِّ فَهُوَ أَنَّ الْعِلْمَ بِتَقَدُّمِ الرِّقِّ، وَالْبَكَارَةِ، وَقِيمَةِ النِّصَابِ فِي السَّرِقَةِ، مَعْلُومٌ قَطْعًا فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ مَا حَدَثَ بَعْدَهُ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِفَّةُ، لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ اسْتِدْلَالًا فَأَثَّرَ فِيهَا مَا حَدَثَ بَعْدَهَا كَالْعَدَالَةِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ زِنَا الْمَقْذُوفَةِ يُسْقِطُ الْحَدَّ عَنْ قَاذِفِهَا فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أوطئت وَطْئًا حَرَامًا " فَجَمَعَ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَنِ الْقَاذِفِ بَيْنَ زِنَاهَا وَبَيْنَ وَطْئِهَا حَرَامًا، وَهَذَا الْجَمْعُ عَلَى تَفْصِيلٍ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ. وَالْوَطْءُ الْحَرَامُ يَنْقَسِمُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَيُسْقِطُ الْعِفَّةَ وَهُوَ أَنْ يَطَأَ ذَاتَ مَحْرَمٍ لَهُ بِعَقْدِ نِكَاحٍ، أَوْ يَطَأَ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ جَارِيَةَ زَوْجَتِهِ الَّتِي دَفَعَهَا صَدَاقًا فَيَجِبُ فِي ذَلِكَ الْحَدُّ إِذَا عَلِمَ. وَتَسْقُطُ بِهِ عِفَّتُهُ، وَيَكُونُ كَالزِّنَا فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا تَسْقُطُ بِهِ عِفَّتُهُ وَفِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ قَوْلَانِ: وَهُوَ أَنْ يَطَأَ ذَاتَ مَحْرَمٍ بِمِلْكِ يَمِينٍ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، كَمَنْ مَلَكَ أُمَّهُ مِنَ الرَّضَاعِ، أَوْ أُخْتَهُ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، فَوَطِئَهَا بِمِلْكِهِ فَفِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ قَوْلَانِ مَضَيَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ:

أَحَدُهُمَا: يُحَدُّ.

وَالثَّانِي: لَا يُحَدُّ، وَعِفَّتُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا سَاقِطَةٌ وَيَسْقُطُ بِهَا الْحَدُّ عَنْ قَاذِفِهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَلَكِنْ يَسْقُطُ بِالْعِفَّةِ وَهُوَ أَنْ يَطَأَ جَارِيَةَ ابْنِهِ، أو

<<  <  ج: ص:  >  >>