للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ

: وَقَالَ بَعْضُ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا فِي الْفِقْهِ وَمُجَوِّدِيهِمْ فِي الْحِسَابِ بِمَذْهَبٍ تَوَسَّطَ فِيهِ بَيْنَ مَذْهَبِي الشَّافِعِيِّ وأبي حنيفة لِأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ فِي الْقِيَاسِ مُطَّرِدًا وَعَلَى الْأُصُولِ مُسْتَمِرًّا فَإِنَّ فِيهِ اطِّرَاحًا لِعَمَلٍ يَصِحُّ فِيهِ وَيَنْحَصِرُ مِنْهُ وَمَذْهَبَ أبي حنيفة وَإِنْ كَانَ فِي الْعَمَلِ مُطَّرِدًا وَفِي الْحِسَابِ صَحِيحًا فَإِنَّ فِيهِ حُكْمًا يَفْسُدُ فِي الْقِيَاسِ وَيَبْطُلُ عَلَى الْأُصُولِ وَذَلِكَ أَنَّ حَفْرَ الْآبَارِ يَشْتَمِلُ عَلَى حَفْرٍ وَنَقْلِ تُرَابٍ فَالْحَفْرُ يَتَمَاثَلُ فِي الْأَذْرُعِ كُلِّهَا وَلَيْسَ فِي حَفْرِ الذِّرَاعِ الْأَخِيرِ عَمَلٌ يَزِيدُ عَلَى حَفْرِ الذِّرَاعِ الْأُولَى فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُفَاضِلَ بَيْنَ أُجُورِهَا لِتَسَاوِي الْعَمَلِ فِيهَا فَصَارَ مَذْهَبُ أبي حنيفة مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَاسِدًا فَأَمَّا نَقْلُ التُّرَابِ الْمَحْفُورِ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَسَافَةِ وَيَتَضَاعَفُ بِأَعْدَادِ الْأَذْرُعِ لِأَنَّ مَسَافَةَ الذِّرَاعِ الثَّانِيَةِ مِثْلَا مَسَافَةِ الذِّرَاعِ الْأُولَى وَمَسَافَةَ الثَّالِثَةِ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِهَا وَمَسَافَةَ الرَّابِعَةِ أَرْبَعَةُ أَمْثَالِهَا وَمَسَافَةَ الْعَاشِرَةِ عَشَرَةُ أَمْثَالِهَا وَمَسَافَةَ النَّقْلِ مَحْفُورَةٌ بِاخْتِلَافِ الْأَذْرُعِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ تَقْسِيطِ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا وَتَحْقِيقِ الْمُسْتَحَقِّ بِهَا إِلَى تَقْوِيمٍ مَعْمُولٍ أَوْ مَتْرُوكٍ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي تَقْسِيطِ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِمَا فَصَارَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ اطِّرَاحٌ لِعَمَلٍ هُوَ أَصَحُّ تَحْقِيقًا وَأَخْصَرُ تَقْسِيطًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ تُقَسَّطَ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ عَلَى الْحَفْرِ وَالنَّقْلِ فَمَا قَابَلَ الْحَفْرَ قُسِّمَ عَلَى أَعْدَادِ الْأَذْرُعِ مِنْ غَيْرِ تَفَاضُلٍ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي جَمِيعِهَا مُتَمَاثِلٌ وَمَا قَابَلَ النَّقْلَ قِسْمَةٌ عَلَى مَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ مَسَافَةُ الْأَذْرُعِ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهَا مُتَضَاعِفٌ مُتَفَاضِلٌ.

فَإِنْ قِيلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَضَّلَ بَيْنَ أُجْرَةِ الْحَفْرِ وَالنَّقْلِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا تَبَعٌ لِلْآخَرِ قِيلَ هَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ جَعْلُ النَّقْلِ تَبَعًا لِلْحَفْرِ بِأَوْلَى مِنْ جَعْلِ الْحَفْرِ تَبَعًا لِلنَّقْلِ وَإِذَا لَمْ يَتَمَيَّزِ التَّابِعُ مِنَ الْمَتْبُوعِ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودًا.

وَالثَّانِي: أَنَّ مَا كَانَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنَ الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُفْرَدَ بِالْعَقْدِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوِ اسْتَأْجَرَ عَلَى الْحَفْرِ أَجِيرًا لَا يَنْقُلُ وعلى النقل أجراً لَا يَحْفِرُ صَحَّ فَلَمْ يَكُنِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْعَقْدِ بِمَانِعٍ مِنْ تَمَيُّزِهَا فِي أَحْكَامٍ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ الْعَمَلُ فَلِلْعَمَلِ عَلَيْهِ مُقَدِّمَةٌ وَهُوَ أَنَّكَ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ مَبْلَغَ مَسَافَةِ نَقْلِ التُّرَابِ مِنْ عَشْرِ أَذْرُعٍ وَشَقَّ عَلَيْكَ أَنْ تَجْمَعَ مِنَ الْوَاحِدِ إِلَى الْعَشَرَةِ عَلَى الْوَلَاءِ فَبَابُهُ الْمُخْتَصَرُ أَنْ تَزِيدَ عَلَى الْعَشَرَةِ وَاحِدًا يَكُونُ أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ تَضْرِبُهَا فِي نِصْفِ الْعَشَرَةِ تَكُونُ خَمْسَةً وَخَمْسِينَ وَأَنْ تَضْرِبَ نِصْفَ أَحَدَ عَشَرَ فِي عَشَرَةٍ تَكُنْ خَمْسَةً وَخَمْسِينَ وَهُوَ مَبْلَغُ الْعَدَدِ الْمَجْمُوعِ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى عَشَرَةٍ عَلَى الْوَلَاءِ.

وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ شُجَاعُ بْنُ نَصْرٍ أَنَّ الْوَاحِدَ وَالْعَشَرَةَ يَكُونُ أَحَدَ عَشَرَ وَالِاثْنَانِ وَالتِّسْعَةُ يَكُونُ أَحَدَ عَشَرَ وَالثَّلَاثَةُ وَالثَّمَانِيَةُ أَحَدَ عَشَرَ وَالْأَرْبَعَةُ وَالسَّبْعَةُ أَحَدَ عَشَرَ وَالْخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ أَحَدَ عَشَرٍ فَتَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي مَعَكَ مِنْ جُمْلَةِ أَعْدَادِ الْعَشْرِ خَمْسَ مَرَّاتٍ أَحَدَ عَشَرَ فَلِذَلِكَ ضَرَبْتَ فِي نِصْفِ الْعَشَرَةِ وَهُوَ خَمْسَةٌ فِي أَحَدَ عَشَرَ فَعَلَى هَذَا إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَجْمَعَ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ عَلَى الْوَلَاءِ فَزِدِ الْوَاحِدَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَكُنْ سِتَّةَ عَشَرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>