للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْحَرْبِ فَإِنِ اشْتَدَّتْ ضَرُورَةُ بَعْضِ الْمُجَاهِدِينَ إِلَى ثَوْبٍ يَلْبَسُهُ اسْتَأْذَنَ فِيهِ الْإِمَامَ، وَأَعْطَاهُ مِنَ الثِّيَابِ مَا يَدْفَعُ بِهِ ضَرُورَتَهُ، وَيَكُونُ مَحْسُوبًا عَلَيْهِ مِنْ سَهْمِهِ، وَإِذَا نُفِقَتْ دَابَّتُهُ أَوْ قُتِلَتْ فِي الْمَعْرَكَةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ بَدَلَهَا مِنَ الْمَغْنَمِ، كَمَا لَوْ مَاتَ الْمُجَاهِدُ أَوْ قُتِلَ لَمْ يَلْزَمْ غُرْمُ دِيَتِهِ، فَإِنِ اشْتَدَّتْ ضَرُورَتُهُ إِلَى مَا يَرْكَبُهُ لِقِتَالٍ أَوْ غَيْرِهِ، اسْتَأْذَنَ الْإِمَامَ حَتَّى يُعْطِيَهُ إِمَّا مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ نَفْلًا، وَإِمَّا مِنَ الْغَنِيمَةِ سَلَفًا مِنْ سَهْمِهِ، يَفْعَلُ مِنْهَا مَا يُؤَدِّيهِ اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ، فَإِنْ شَرَطَ لَهُمُ الْإِمَامُ أَنَّ مَنْ قُتِلَ فَرَسُهُ فِي الْمَعْرَكَةِ كَانَ لَهُ مِثْلُهَا أَوْ ثَمَنُهَا، جَازَ لِيُحَرِّضَهُمْ عَلَى الْإِقْدَامِ، وَوَفَّى بِشَرْطِهِ وَدَفَعَ إِلَيْهِمْ مِثْلَهَا أَوْ ثَمَنَهَا بِحَسَبِ الشَّرْطِ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى حُكْمِ ضَمَانِ الْمُسْتَهْلِكِ فِي غُرْمِ قِيمَةِ الدَّابَّةِ، وَجَازَ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ إِلَى الْمِثْلِ وَالثَّمَنِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ الْمَصَالِحِ الَّتِي يَتَّسِعُ حُكْمُهَا وَيَكُونُ مَا يَدْفَعُهُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ، سَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمُعَدِّ لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ.

(فَصْلٌ)

وَيَجُوزُ أَنْ يُتَابِعَ الْمُجَاهِدُونَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَا أَخَذُوهُ مِنْ طَعَامِهِمْ رِطْلًا بِرِطْلَيْنِ، وَلَا يَكُونُ رِبًا إِذَا بَاعَهُ مُجَاهِدٌ عَلَى مُجَاهِدٍ، لِأَنَّهُ مُبَاحُ الْأَصْلِ بَيْنَهُمْ فَسَقَطَ فِيهِ حُكْمُ الرِّبَا، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ، وَإِنْ كَانَ تَحْرِيمُ الرِّبَا عِنْدَهُ فِي دَارِ الْمُشْرِكِينَ كَتَحْرِيمِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ بِذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ، وَيَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى بَيْعِ الْمَأْكُولِ بِمَأْكُولٍ كَمَا كَانَ مَقْصُورًا عَلَى إِبَاحَةِ الْمَأْكُولِ، فَإِنْ تَأَخَّرَ قَبْضُ الْبَدَلِ فِيهِ سَقَطَتِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ لِإِبَاحَةِ أَصْلِهِ، فَإِنْ أَرَادَ الْمُجَاهِدُ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِمُجَاهِدٍ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَلَا بِثَمَنِهِ وَلَا بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ وَيَكُونُ مَبِيعًا بَاطِلًا عَلَى الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، وَإِنْ عُقِدَ عَلَى شُرُوطِ الصِّحَّةِ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْأَكْلِ دُونَ الْبَيْعِ كَطَعَامِ الْوَلَائِمِ، وَهَكَذَا لَوْ دَفَعَهُ الْمُجَاهِدُ قَرْضًا لِغَيْرِهِ مُنِعَ إِنْ كَانَ مُقْتَرِضُهُ غَيْرَ مُجَاهِدٍ وَلَمْ يُمْنَعْ إِنْ كَانَ مُقْتَرِضُهُ مُجَاهِدًا وَيَصِيرُ مُقْتَرِضُهُ أَحَقَّ بِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ اسْتِرْجَاعَ بَدَلِهِ، وَإِذَا أَرَادَ الْمُجَاهِدُ أَنْ يَبِيعَ طَعَامًا لَهُ حَمَلَهُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ عَلَى مُجَاهِدٍ أَوْ غَيْرِ مُجَاهِدٍ جَازَ وَحُرِّمَ لَهُ فِيهِ الرِّبَا، وَإِنْ أَقْرَضَهُ اسْتَحَقَّ اسْتِرْجَاعَ بَدَلِهِ بِخِلَافِ الْمَأْخُوذِ مِنْ طَعَامِ أَهْلِ الْحَرْبِ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِإِبَاحَةِ هَذَا وَحَظْرِ ذَاكَ

(فَصْلٌ)

وَإِذَا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَمَعَهُمْ مِنْ بَقَايَا مَا أَخَذُوهُ مِنْ طَعَامِهِمْ فَفِي وُجُوبِ رَدِّهِ إِلَى الْمَغْنَمِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: نَصَّ عَلَيْهِ هَاهُنَا أَنَّ عَلَيْهِمْ رَدَّهُ إِلَى الْمَغْنَمِ لِارْتِفَاعِ الْحَاجَةِ، فَإِنِ اسْتَهْلَكُوهُ كَانَ مَحْسُوبًا عَلَيْهِ مِنْ سِهَامِهِمْ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: نَصَّ عَلَيْهِ فِي سِيَرِ الْأَوْزَاعِيِّ، لَا يَلْزَمُهُمْ رَدُّهُ، لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَقَدْ رَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ جَيْشًا غَنِمُوا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طَعَامًا وَعَسَلًا، فَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمُ الْخُمْسُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>