وَقَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ لِأَنَّ عَقْدَ الْقِرَاضِ مُوجِبٌ عَلَى الْعَامِلِ اسْتِيفَاءَ مَالِهِ وَحِفْظَ أَصْلِهِ، أَلَا تَرَاهُ لَوِ اسْتَرْجَعَ الْمَالَ مِنْ سَارِقِهِ، وَقَبَضَهُ مِنْ جَاحِدِهِ كَانَ قِرَاضًا بِمُتَقَدِّمِ عقده.
[مسألة]
قال المزني رحمه الله تعالى: " وَلَوْ قَالَ الْعَامِلُ رَبِحْتُ أَلْفًا ثُمَّ قَالَ غَلِطْتُ أَوْ خِفْتُ نَزْعَ الْمَالِ مِنِّي فَكَذَبْتُ لَزِمَهُ إِقْرَارُهُ وَلِمَ يَنْفَعْهُ رُجُوعُهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.
إِذَا ذَكَرَ الْعَامِلُ أَنَّ الرِّبْحَ فِي الْقِرَاضِ أَلْفٌ، فطالبه بنصفها فزعم أنه خطأ فِي الْإِقْرَارِ بِهَا، أَوْ خَافَ انْتِزَاعَ الْمَالِ مِنْ يَدِهِ فَكَذَبَ فِيهَا، فَإِنْ عَلِمَ رَبُّ الْمَالِ بِصِدْقِهِ فِيمَا قَالَهُ لَمْ يَمْنَعْهُ مُطَالَبَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ كَانَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ، وَالْعَامِلُ رَاجِعٌ فِي إِقْرَارِهِ فَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ.
فَإِنْ سَأَلَ الْعَامِلُ إِحْلَافَ رَبِّ الْمَالِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ مَا كَانَ أَقَرَّ بِهِ مِنَ الرِّبْحِ فَإِنْ ذَكَرَ شُبْهَةً مُحْتَمَلَةً اسْتَحَقَّ بِهَا إِحْلَافَ رَبِّ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شُبْهَةً فَفِي إِحْلَافِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سريج وأبو عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ أَنَّ لَهُ إِحْلَافَهُ لِإِمْكَانِ قَوْلِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ لَيْسَ لَهُ إِحْلَافُهُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ إِقْرَارِهِ. فَأَمَّا إِنِ ادَّعَى الْعَامِلُ تَلَفَ الرِّبْحِ من يده كان قولاً مَقْبُولًا، وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ إِنْ كَذَّبَهُ رَبُّ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ.
وَهَكَذَا لَوِ ادَّعَى أَنَّهُ جَبَرَ بالربح خسراناً من بع قُبِلَ قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِهِ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ إِنْ كَذَّبَهُ.
[مسألة]
قال المزني رحمه الله تعالى: " وَلَوِ اشْتَرَى الْعَامِلُ أَوْ بَاعَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَبَاطِلٌ وَهُوَ لِلْمَالِ ضَامِنٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْعَامِلِ فِي الْقِرَاضِ مَوْضُوعٌ لِتَثْمِيرِهِ وَتَنْمِيَتِهِ، فَيَلْزَمُهُ فِي بَيُوعِهِ وأَشربَتِهِ شَرْطَانِ:
أَحَدُ شَرْطَيْ شِرَائِهِ: أَنْ يَشْتَرِيَ مَا يَرْجُو مِنْهُ فَضْلًا وَرِبْحًا إِمَّا فِي الْحَالِ أَوْ فِي ثَانِي حَالٍ، فَإِنِ اشْتَرَى مَا يَعْلَمُ أَنْ لَا فَضْلَ فِيهِ فِي الْحَالِ وَلَا فِي ثَانِي حَالٍ لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ الرِّبْحِ الْمَقْصُودِ بِهِ.
وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ إِمَّا مُسْتَرْخَصًا إِنْ كَانَ بَيْعُهُ فِي الْحَالِ أَوْ بِثَمَنِ مِثْلِهِ إِنْ كَانَ يَتَوَقَّعُ فِيهِ رِبْحًا فِي ثَانِي حَالٍ.