وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَسْلِتُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِهِ بِعِرْقِ الْإِذْخِرِ، ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَحِتُّهُ مِنْ ثَوْبِهِ يَابِسًا، ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ "
وَهَذَا آخِرُ دَلَالَةٍ عَلَيْهِمَا، وَلِأَنَّ كل ما لا يجب غسلها يَابِسًا لَا يَجِبُ غَسْلُهُ رَطْبًا
أَصْلُهُ: سَائِرُ الطَّاهِرَاتِ، وَلِأَنَّهُ أَصْلُ خَلْقِ الْإِنْسَانِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا كَالطِّينِ، وَلِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا كَالْبَيْضِ، وَلِأَنَّهُ مَائِعٌ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا ك " اللبن " فَإِنْ قِيلَ: الْمَنِيُّ لَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ، قِيلَ: إِذَا اسْتَدْخَلَتِ الْمَاءَ لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ، وَحَرَّمَهَا مَا بَقِيَتْ فِي عِدَّتِهَا، فَأَمَّا أَخْبَارُهُمْ إِنْ صَحَّتْ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْبَوْلِ، فالمعنى فيه: كونه نجسا، ووجوب غسل يديه كَوُجُوبِ غَسْلِ رَطْبِهِ. وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى غَسْلِ دَمِ الْحَيْضِ، بِعِلَّةِ أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْغَسْلِ فَلَيْسَ الدَّمُ مُوجِبًا لِلْغَسْلِ، وَإِنَّمَا انْقِطَاعُ الدَّمِ يُوجِبُهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ دَمٌ اسْتَحَالَ فَغَيْرُ مُنْكَرٍ أَنْ يَسْتَحِيلَ مَنِيًّا كَمَا يَسْتَحِيلُ لَبَنًا طَاهِرًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النحل: ٦٦]
(فَصْلٌ)
: فَإِذَا وَضَحَ طَهَارَةُ الْمَنِيِّ بِمَا ذَكَرْنَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنِيِّ الرَّجُلِ وَمَنِيِّ الْمَرْأَةِ، وَحَكَى ابْنُ الْقَاصِّ فِي كِتَابِ " الْمِفْتَاحِ " عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ فِي مَنِيِّ الْمَرْأَةِ قَوْلَيْنِ، وَحَكَى الْكَرَابِيسِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ: نَجَاسَةُ الْمَنِيِّ، وَكُلُّ هَذَا غَلَطٌ أَوْ وَهْمٌ لَيْسَ يُعْرَفُ عَنِ الشَّافِعِيِّ نَصٌّ عَلَيْهِ، وَلَا إِشَارَةٌ إِلَيْهِ، بَلْ صَحَّ بِطَهَارَةِ جَمِيعِهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ إِلَّا إِنَّا نَسْتَحِبُّ غَسْلَهُ إِنْ كَانَ رَطْبًا، وَفَرْكَهُ إِنْ كَانَ يَابِسًا لِلْخَبَرِ
فَأَمَّا الْعَلَقَةُ فَفِيهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: طَاهِرَةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ حَكَاهُ الرَّبِيعُ عَنِ الشَّافِعِيِّ عَنِ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِطَهَارَةِ الْمَنِيِّ مَوْجُودٌ فِيهَا
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ: إِنَّهَا نَجِسَةٌ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ طَاهِرًا، ثُمَّ يَسْتَحِيلُ نَجِسًا ثُمَّ يَعُودُ طَاهِرًا كَالْعَصِيرِ إِذَا اشْتَدَّ فَصَارَ خَمْرًا، ثُمَّ انْقَلَبَ فَصَارَ خَلًّا قَالَ: وَكَذَلِكَ الْبَيْضُ إِذَا صَارَ عَلَقَةً، وَأَمَّا مَنِيِّ مَا سِوَى الْآدَمِيِّينَ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَاتِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute