وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالثَّمَنِ فَإِذَا أَطْلَقَ الْإِيجَابَ بِالْبَيْعِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الثَّمَنَ عَادَ إِلَى البيع والثمن لأنهما لا يفترقا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ النِّكَاحُ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِغَيْرِ صَدَاقٍ، فَإِذَا صَرَّحَ بِقَبُولِ النِّكَاحِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِقَبُولِ الصَّدَاقِ، لَزِمَهُ النِّكَاحُ دُونَ الصَّدَاقِ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَفْتَرِقَانِ، فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا التَّعْلِيلُ فِي الْفَرْقِ يَقْتَضِي أَن لا يَجِبَ لَهُ فِي الْخُلْعِ الْأَلْفُ حَتَّى يَقُولَ قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ الْأَلْفِ.
قِيلَ: مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَعْلِيلِ الْفَرْقِ لَا يَقْتَضِي هَذَا فِي الْخُلْعِ وَإِنِ اقْتَضَاهُ فِي النِّكَاحِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْقَبُولَ فِي النِّكَاحِ فِي مُقَابَلَةِ الْتِزَامِهِ الْعَقْدَ وَالصَّدَاقَ فَإِنْ صَرَّحَ بِهِمَا، وَإِلَّا انْصَرَفَ إِلَى الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا، وَهُوَ النِّكَاحُ وَلَيْسَ فِي الْخُلْعِ إِلَّا الْتِزَامٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْعِوَضُ فَتَوَجَّهَ إِطْلَاقُ الْإِجَابَةِ إِلَيْهِ.
(فَصْلٌ:)
وَلَوْ قَالَتِ الزَّوْجَةُ: إِنْ طَلَّقْتَنِي ثَلَاثًا فَلَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ، أَوْ قَالَتْ فَلَكَ أَلْفٌ.
فَقَالَ الزَّوْجُ: قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ أَوْ قَالَ قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلَاثًا، وَلَمْ يَقُلْ بِأَلْفٍ، طُلِّقَتْ ثَلَاثًا، وَلَهُ الْأَلْفُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الشَّافِعِيِّ.
وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: إِنْ بِعْتَنِي عَبْدَكَ هَذَا فَلَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ فَيَقُولُ الْمَالِكُ: قَدْ بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ، فَلَا يَتِمُّ الْبَيْعُ حَتَّى يَقْبَلَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ بَذْلِ الْبَائِعِ فَيَقُولُ: قَدْ قَبِلْتُ ابْتِيَاعَهُ بِالْأَلْفِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخُلْعِ وَالْبَيْعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ حَرْفَ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهَا: إِنْ طَلَّقْتَنِي فَلَكَ أَلْفٌ إِذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ طَلَبًا بِأَجْرٍ تَضَمَّنَ الْتِزَامًا فَصَحَّ الطَّلَاقُ بِالزَّوْجِ وَحْدَهُ وَقَدْ وُجِدَ الِالْتِزَامُ مِنْهَا لَهُ فَصَحَّ الْخُلْعُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِمُجَرَّدِ الِالْتِزَامِ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهِ الطَّلَبُ، وَلَيْسَ فِي لَفْظِ الشَّرْطِ طَلَبٌ فَصَارَ الْتِزَامُ الْمُشْتَرِي سَوْمًا فَلَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ بَعْدَ بَذْلِ الْبَائِعِ إِلَّا بِقَبُولِ الْمُشْتَرِي.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ شَبَّهَ الشَّافِعِيُّ فِي هَذِهِ المسألة بالبيع قبل موضع التشبيه بينهما في استحقال الْعِوَضِ لَا فِي صِفَةِ الْعَقْدِ.
وَهَكَذَا لَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَنْ أَدْفَعَ إِلَيْكَ أَلْفًا، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا اسْتَحَقَّ عَلَيْهَا أَلْفًا لِالْتِزَامِهَا عَلَى الطَّلَاقِ أَلْفًا فَصَارَ الطَّلَاقُ شَرْطًا، وَالْأَلْفُ جَزَاءً وَمِثْلُ هَذَا فِي الْبَيْعِ لَا يَصِحُّ لما ذكرنا والله أعلم.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: (وَلَوْ قَالَتْ لَهُ اخْلَعْنِي أَوْ بِتَّنِي أَوْ أَبِنِّي أَوِ ابْرَأْ مِنِّي أَوْ بَارِئْنِي وَلَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَهِيَ تُرِيدُ الطَّلَاقَ وَطَلَّقَهَا فَلَهُ مَا سَمَّتْ لَهُ) .