أَنْ يَكُونَ مُشْرِكًا سُئِلَ عَنْ سَبَبِ شِرْكِهِ فإن قال لأن أبي مشركا وَصِرْتُ لِاتِّبَاعِ أَبِي مُشْرِكًا تُرِكَ لِمَا اخْتَارَهُ مِنَ الشِّرْكِ لِاحْتِمَالِهِ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الشِّرْكِ لِأَنَّنَا لَمْ نَكُنْ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ قَطْعًا وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِهِ تَغْلِيبًا.
فَإِنْ قَالَ لَسْتُ أَعْرِفُ دِينَ أَبِي وَلَا أَعْلَمُهُ مُسْلِمًا وَلَا مُشْرِكًا وَلَكِنِّي أَخْتَارُ الشِّرْكَ مَيْلًا إِلَيْهِ وَرَغْبَةً فِيهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَقْطُوعًا بِإِسْلَامِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَيُجْعَلُ إِنْ أَقَامَ عَلَيْهِ مُرْتَدًّا إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ شِرْكَ أَبِيهِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ وَيُقَرُّ عَلَيْهِ لِيَكُونَ فِي الشِّرْكِ تبعا ولا يكون متبوعا.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ أَرَادَ الَّذِي الْتَقَطَهُ الطَّعْنَ بِهِ فَإِنْ كَانَ يُؤْمَنُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ فَذَلِكَ لَهُ وَإِلَّا مَنْعُهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا الْتَقَطَهُ مُقِيمٌ ثُمَّ أَرَادَ بَعْدَ حُصُولِهِ فِي كفالته وإقراره في يده جَازَ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ قَدِ اشْتَدَّ بَدَنُهُ بِحَيْثُ يَقْوَى عَلَى السَّيْرِ فَإِنْ كَانَ طِفْلًا لَا يَحْتَمِلُ السَّيْرَ لَمْ يَجُزْ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ مَأْمُونًا لَا يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ غَلَبَةِ مُسْتَرِقٍّ فَإِنْ خِيفَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمُسَافِرُ مَأْمُونًا عَلَيْهِ فَلَا يَسْتَرِقُّهُ وَلَا يُسِيءُ إِلَيْهِ فَإِنْ خِيفَ ذَلِكَ لَمْ يجز.
والرابع: أن يكون بينة الْعَوْدِ إِلَى بَلَدِهِ فَإِنْ لَمْ يُرِدِ الْعَوْدَ وَسَافَرَ مُتَنَقِّلًا فَفِي تَمْكِينِهِ مِنْهُ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُمَكَّنُ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ فِي اسْتِحْقَاقِ كَفَالَتِهِ كَالْأَبِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنَ الْأُمِّ فِي سَفَرٍ نَقَلَتْهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِمَا فِي نَقْلِهِ مِنْ إِضَاعَةِ مَا كُنَّا نَرْجُوهُ مِنْ ظُهُورِ نَسَبِهِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى جَعَلْنَا الْمُقِيمَ إِذَا شَارَكَ فِي الْتِقَاطِهِ مسافرا أولى به.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وجنايته خَطَأً عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَجِنَايَتُهُ ضَرْبَانِ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى مَالٍ فَهِيَ فِي مَالِهِ صَغِيرًا كَانَ اللَّقِيطُ أَوْ كَبِيرًا مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ دَفَعَ مِنْهُ غُرْمَ جِنَايَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ إِذَا أَيْسَرَ أَدَّاهُ فَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى نَفْسِ آدَمِيٍّ فَضَرْبَانِ عَمْدٌ وَخَطَأٌ فَإِنْ كَانَتْ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ يَعْقِلُونَ عَنْهُ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ عَاقِلَتُهُ. أَلَا تَرَاهُ لَوْ مَاتَ بِلَا وَارِثٍ كَانَ مِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ