للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ: جَوَازُ الْعَرَايَا مَعَ اخْتِلَافِ أَنْوَاعِ التَّمْرِ

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَيْعَ الْعَرَايَا هُوَ بَيْعُ الرطب على رؤوس النَّخْلِ بِكَيْلِهَا تَمْرًا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي النَّوْعِ كَالتَّمْرِ الْبَرْنِيِّ بِالرُّطَبِ الْبَرْنِيِّ أَوْ يَخْتَلِفَا فِي النَّوْعِ كَالتَّمْرِ الْبَرْنِيِّ بِالرُّطَبِ الْمَعْقِلِيِّ فِي جَوَازِ ذَلِكَ كله، فأما بيع الرطب على رؤوس النَّخْلِ بِرُطَبٍ فِي الْأَرْضِ أَوْ بِرُطَبٍ عَلَى رؤوس النخل فذهب الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ لِأَنَّ وُجُودَ الرطب مغني عن بيعه برطب على رؤوس النَّخْلِ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ يَجُوزُ بيع الرطب على الأرض برطب على رؤوس النَّخْلِ لِأَنَّهُ أَدْوَمُ نَفْعًا، وَيَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ على رؤوس النخل برطب على رؤوس النَّخْلِ سَوَاءٌ كَانَ نَوْعًا أَوْ أَنْوَاعًا.

وَقَالَ أبو إسحاق الْمَرْوَزِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ رُطَبٍ عَلَى الْأَرْضِ برطب على رؤوس النخل، فأما بيع الرطب على رؤوس النخل برطب على رؤوس النَّخْلِ فَإِنْ كَانَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ كَالْمَعْقِلِيِّ بِالْمَعْقِلِيِّ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَا نَوْعَيْنِ كَالْمَعْقِلِيِّ بِالْإِبْرَاهِيمِيِّ جَازَ.

وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى الْأَرْضِ بِرُطَبٍ على رؤوس النَّخْلِ لِأَنَّهُ أَدْوَمُ نَفْعًا وَيَجُوزُ بَيْعُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنَ النَّخْلِ بِمَا عَلَى النَّخْلِ إِذَا كَانَا مِنْ نَوْعَيْنِ لِاخْتِلَافِ الشَّهْوَةِ.

وَلَا يَجُوزُ إِذَا كَانَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ لِفَقْدِ الْغَايَةِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ فَاسِدٌ، وَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا بُطْلَانُ ذَلِكَ كله أصح لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَعَ قِلَّةِ تَفَاضُلِهِ وَقُرْبِ تَمَاثُلِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ عَلَى النَّخْلِ لِأَنَّ عَدَمَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ تَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ الْغَرَرِ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ: [الْقَوْلُ فِي مقدار العرية]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ تَكُونَ الْعَرِيَّةُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَلَا أَفْسَخُهُ فِي الْخَمْسَةِ وَأَفْسَخُهُ في أكثر (قال المزني) يلزمه في أصله أن يفسخ البيع في خمسة أوسق لأنه شك وأصل بيع التمر في رؤوس النخل بالتمر حرام بيقين ولا يحل منه إلا ما أرخص فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بيقين فأقل من خمسة أوسق يقين على ما جاء به الخبر وليست الخمسة بيقين فلا يبطل اليقين بالشك ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَقْصُورٌ عَلَى قَدْرِ مَا أُبِيحَ مِنَ الْعَرِيَّةِ فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْعَرِيَّةَ لَا تَجُوزُ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لِعُمُومِ نَهْيِهِ عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَتَجُوزُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَلَوْ بِمَدٍّ لِإِبَاحَةِ الْعَرِيَّةِ وَفِي جَوَازِهَا فِي خَمْسَةِ أوسق قولان:

<<  <  ج: ص:  >  >>