للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَارِسِيُّ، وَلَمْ يَحْنَثْ بِشَمِّ الْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ، وَلَا يشم الْيَاسَمِينِ وَالْخُزَامَى وَاللَّيْنُوفَرِ؛ لِخُرُوجِهَا عَنِ اسْمِ الرَّيْحَانِ بِأَسْمَائِهَا الْمُفْرَدَةِ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا شَمَمْتُ مَشْمُومًا حَنِثَ بِشَمِّ هَذَا كُلِّهِ؛ لِأَنَّ اسْمِ الْمَشْمُومِ ينطلق على جمعيه، وَلَا يَحْنَثُ بِشَمِّ الْكَافُورِ وَالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ؛ لِخُرُوجِهَا عَنِ اسْمِ الْمَشْمُومِ بِأَسْمَائِهَا الْمُفْرَدَةِ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشَمُّ طِيبًا حَنِثَ بِشَمِّ الْكَافُورِ وَالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ، وَلَمْ يَحْنَثْ بِشَمِّ الْمَشْمُومِ لِخُرُوجِهِ عَنِ اسْمِ الطِّيبِ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا شَمَمْتُ مُسْتَطَابًا حَنِثَ بِشَمِّ هَذَا كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَطَابُ الرَّائِحَةِ.

(فَصْلٌ:)

وَإِذَا قَالَ: وَاللَّهِ لَا لَبِسْتُ حُلِيًّا حَنِثَ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْجَوْهَرِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحْنَثُ بِاللُّؤْلُؤِ وَالْجَوْهَرِ حَتَّى يَمْتَزِجَ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ اسْتِدْلَالًا بِالْعُرْفِ وَاحْتِجَاجًا بِالِاسْمِ.

وَدَلِيلُنَا: نَصُّ الشَّرْعِ بِخِلَافِهِ، قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِياً وَتَسْتَخْرَجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا) {النحل: ١٤) ، وَالْمُسْتَخْرَجُ مِنْهُ هُوَ اللُّؤْلُؤُ وَالْجَوْهَرُ وَالْمَرْجَانُ، فَجَعَلَهُ حُلِيًّا مَلْبُوسًا.

وَقَالَ تَعَالَى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسَهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} (الحج: ٢٣) .

قَرَأَ عَاصِمٌ وَنَافِعٌ " لُؤْلُؤًا " بِالنَّصْبِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْخَفْضِ، فَالنَّصْبُ مَحْمُولٌ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَالْخَفْضُ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَمْرَيْنِ مِنَ الِانْفِرَادِ وَالِامْتِزَاجِ، وَلِأَنَّ مَا كَانَ حُلِيًّا بِامْتِزَاجِهِ كَانَ حُلِيًّا بِانْفِرَادِهِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْحُلِيَّ مَا يُرَادُ إِمَّا لِلزِّينَةِ أَوْ لِلْمُبَاهَاةِ، وَهُمَا فِي الْحُلِيِّ اللُّؤْلُؤِ وَالْجَوْهَرِ أَوْفَى مِنْهُمَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.

فَأَمَّا التَّحَلِّي بِالْخَرَزِ وَالصُّفْرِ، فَيَحْنَثُ بِهِ مَنْ كَانَ فِي عُرْفِهِمْ حُلِيًّا كَالْبَوَادِي وَسُكَّانِ السَّوَادِ، وَلَا يَحْنَثُ بِهِ مَنْ خَرَجَ عَنْ عُرْفِهِمْ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ.

فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَلَا فَرْقَ فِي الْحِنْثِ بِهِ بَيْنَ مُبَاحِهِ وَمَحْظُورِهِ، فَلَوْ لَبِسَ ثَوْبًا مَنْسُوجًا بِالذَّهَبِ لَمْ يَحْنَثْ به؛ لِأَنَّهُ بِاسْمِ الثَّوْبِ أَخَصُّ مِنْهُ بِاسْمِ الْحُلِيِّ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَقَلَّدَ بِسَيْفٍ مُحَلًّى لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ السَّيْفَ لَيْسَ بِحُلِيٍّ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ. فَأَمَّا لُبْسُ مِنْطَقَةٍ مُحَلَّاةٍ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَفِي الْحِنْثِ بِهَا وجهان:

أحدهما: يحنث بها؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُلِيِّ الرِّجَالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>