للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِيقَاتُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْمَشْرِقِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ: هَلْ ثَبَتَ مُقَدَّرًا بِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَوْ قِيَاسًا بِاجْتِهَادِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ؟ فَحُكِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ وَطَاوُسٍ أَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ مُؤَقَّتَةٌ بِاجْتِهَادٍ لَا بِنَصٍّ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَا أَرَاهُ إِلَّا كَمَا قَالَ طَاوُسٌ.

وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَعَطَاءٍ أَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ بِنَصٍّ كَغَيْرِهَا مِنَ الْمَوَاقِيتِ، فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا، اسْتَدَلَّ بِرِوَايَةِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قِيلَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمْ يُؤَقِّتْ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ سُنَنًا، فَقَالَ: انْظُرُوا مَا حَالُ طَرِيقِهِمْ، قَالُوا: قَرَنُ، قَالَ: اجْعَلُوا مِيقَاتَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ. قَالُوا: وَلِأَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ وَالْمَشْرِقِ كَانُوا كُفَّارًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَنُصَّ عَلَى مِيقَاتِهِمْ وَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ؟

وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا، اسْتَدَلَّ عَلَى مَا رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ ذَاتَ عرقٍ ". وَرَوَى ابْنُ لَهِيعَةٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عرقٍ ". وَرَوَى هِلَالُ بْنُ زَيْدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَنَسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْبَصْرَةِ ذَاتَ عرقٍ ". وَهَذَا أَصَحُّ الْمَذْهَبَيْنِ لِهَذِهِ النُّصُوصِ الثَّابِتَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّافِعِيُّ لَمْ تَبْلُغْهُ هَذِهِ الْأَخْبَارُ، فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَغَيْرُ ثَابِتٍ عَنْهُ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ كُفْرِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْمَشْرِقِ، فَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْمَغْرِبِ أَيْضًا كُفَّارًا، وَكَانَ بِالشَّامِ قَيْصَرُ، وَبِمِصْرَ الْمُقَوْقِسُ، وَنَصَّ عَلَى مِيقَاتِهِمْ مَعَ كُفْرِهِمْ، فَكَذَلِكَ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَالْمَشْرِقِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَعَهُ عَلَى إِسْلَامِهِمْ أَلَا تَرَى مَا رُوي عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " زُوِيَتْ لِيَ الْأَرْضُ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا ". وَقَالَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: " يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنَ الْحِيرَةِ تَؤُمُّ الْبَيْتَ لَا جِوَارَ مَعَهَا لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى ". عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ بِمُشْرِقِ مَكَّةَ مِمَّا يَلِي أَرْضَ نَجْدٍ خَلْقٌ مِنَ الْعَرَبِ قَدْ أَسْلَمُوا مِنْ بَنِي عَامِرٍ وَبَنِي سُلَيْمٍ وَغَيْرِهِمْ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَقَّتَهُ لَهُمْ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ مِيقَاتُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْمَشْرِقِ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَحْرَمُوا مِنَ الْعَقِيقِ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ؛ وَالْعَقِيقُ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي عَنْ يَسَارِ الذَّاهِبِ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِرَاقِ إِلَى مَكَّةَ مِمَّا يَلِي قَرْنَ مِنْ وَرَاءِ الْمَقَابِرِ وَسَيْلِ الْوَادِي عِنْدَ النَّخَلَاتِ الْمُفْتَرِقَةِ؛ وَقَدْ قال

<<  <  ج: ص:  >  >>