الْحَاكِمُ إِسْلَامَهُ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ حُكِمَ بِهِ. وَإِنْ جَهِلَهُ وَقَامَتِ الْبَيِّنَةُ بِإِسْلَامِهِ حُكِمَ بِهِ. وَلَمْ يُسْأَلِ الشُّهُودُ عَنْ سَبَبِ إِسْلَامِهِ.
فَأَمَّا إِذَا شُوهِدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عَلَى قَدِيمِ الْوَقْتِ وَحَدِيثِهِ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فِي الظَّاهِرِ. مَا لَمْ يُعْلَمْ كُفْرُهُ، لِأَنَّ مَيِّتًا لَوْ وُجِدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، مَجْهُولَ الْحَالِ، وَجَبَ غَسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَدَفْنِهِ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ اعْتِبَارًا بِظَاهِرِ الدَّارِ.
وَهَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ إسلامه فِي الظَّاهِرِ مُوجِبًا لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ فِي الْبَاطِنِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِي الْبَاطِنِ تَبَعًا، فَيَرِثُ وَيُورَثُ مِنْ غَيْرِ اسْتِكْشَافٍ عَنْ إِسْلَامِهِ اكْتِفَاءً بِظَاهِرِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِي الْبَاطِنِ وَإِنْ حُكِمَ بِهِ فِي الظَّاهِرِ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالْكُفْرِ قُبِلَ مِنْهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ، وَلَوْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فِي الْبَاطِنِ لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهُ بِالْكُفْرِ. وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الرِّدَّةِ، وَهَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ.
وَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ لَمْ يُسْأَلْ عَنْ إسلامه إن شهد وسأل عَنْ عَدَالَتِهِ. وَإِنْ حُكِمَ بِهِ فِي الظَّاهِرِ دون الباطن سأل عَنْ إِسْلَامِهِ ثُمَّ عَنْ عَدَالَتِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ)
: فَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ. فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا شَرْطٌ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَلَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْعَدَالَةِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ مَقْبُولٌ فِي الْفُتْيَا وَالْأَخْبَارِ وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ فِي الشَّهَادَةِ.
وَحُرِّيَّتُهُ تُعْلَمُ مِنْ وَجْهَيْنِ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِمَا وَثَالِثٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَلِدَهُ حُرَّةٌ فَيَكُونَ حُرَّ الْأَصْلِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يُعْتِقَهُ مَالِكٌ فَيَصِيرَ حُرًّا بَعْدَ الرِّقِّ.
وَالثَّالِثُ: الْمُخْتَلَفُ فِيهِ: أَنْ يَقُولَ: أَنَا حُرٌّ، فَفِي ثُبُوتِ حُرِّيَّتِهِ بِقَوْلِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ بِخَبَرٍ مِنْهُ أَوْ بَيِّنَةٍ أَنَّهُ حُرٌّ، فَكَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ خَبَرَهُ فِي حُرِّيَّتِهِ مَقْبُولٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ فِي إِسْلَامِهِ مَقْبُولًا، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنَ الدَّارِ إِسْلَامُ أَهْلِهَا، كَانَ قَوْلُهُ فِي حُرِّيَّتِهِ مَقْبُولًا. لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ حُرِّيَّةُ أَهْلِهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ فِي حُرِّيَّتِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ فِي إِسْلَامِهِ مَقْبُولًا. وَهَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ.