للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ اعْتُبِرَ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ:

أَحَدُهَا: كَثْرَةُ مَالِ الْكِتَابَةِ وَقِلَّتِهِ، فَيَكُونُ مَا يُعْطَى من الكثير وأكثر من الْقَلِيلِ أَقَلَّ.

وَالثَّانِي: قُوَّةُ الْمُكَاتَبِ وَضَعْفُهُ، فَيُعْطَى الضَّعِيفُ الْكَسْبِ أَكْثَرَ، وَالْقَوِيُّ الْكَسْبِ أَقَلَّ.

وَالثَّالِثُ: يَسَارُ السَّيِّدِ وَإِعْسَارُهُ، فَيُعْطِيهِ الْمُوسِرُ أَكْثَرَ، وَالْمُعْسِرُ أَقَلَّ، فَيَعْتَبِرُ فِي الِاجْتِهَادِ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَمَا أَدَّى الِاجْتِهَادُ إِلَيْهِ، مِنْ قَدْرٍ، فَهُوَ الْمُسْتَحَقُّ فِي الْإِيتَاءِ، إِلَّا أَنْ يَتَّفِقَا فِيهِ عَلَى زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، فَيَمْضِيَ عَلَى اتِّفَاقِهِمَا فِيمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ.

فَإِنِ اخْتَلَفَا فِيهِ قَدَّرَهُ الْحَاكِمُ بِاجْتِهَادِهِ، وَكَانَ مَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ هُوَ الْقَدْرُ الْمُسْتَحَقُّ.

فَصْلٌ

فَأَمَّا الْوَقْتُ: فَلَهُ وَقْتَانِ: وَقْتُ جَوَازٍ وَوَقْتُ وُجُوبٍ.

فَأَمَّا وَقْتَ الْجَوَازِ: فَمِنْ وَقْتِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ إِلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ فِيهَا. فَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْعَقْدِ، فَلَا يُجْزِئُ مَا تَقَدَّمَهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لَهَا سَبَبٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّعْجِيلُ.

فَأَمَّا وَقْتُ الْوُجُوبِ: فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: بَعْدَ الْعِتْقِ، كَالْمُتْعَةِ الَّتِي تُسْتَحَقُّ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَلِيَكُونَ مُعَانًا فِي وَقْتٍ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِيمَا يُعْطَى.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، أَنَّهُ يَجِبُ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَيَتَعَيَّنُ وُجُوبُهُ فِي آخِرِ نَجْمٍ، لِأَنَّ الْإِيتَاءَ مَعُونَةٌ عَلَى الْعِتْقِ، فَلَمْ يُسْتَحَقَّ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَلِأَنَّهُ مُعَانٌ بِمَالَيْنِ: زَكَاةٍ وَإِيتَاءٍ، وَكَانَتِ الزَّكَاةُ قَبْلَ الْعِتْقِ، فَكَذَلِكَ الْإِيتَاءُ.

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا فَالسَّيِّدُ مَا كَانَ مَالُ الْكِتَابَةِ بَاقِيًا مُخَيَّرٌ بَيْنَ حَالَيْنِ: بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ مَالَ الْإِيتَاءِ نَقْدًا وَبَيْنَ أَنْ يُبَرِّئَ الْمُكَاتَبَ مِنْهُ، فَإِنْ أَبْرَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَطْلُبَهُ نَقْدًا، وَإِنْ أَعْطَاهُ نَقْدًا وَطَلَبَ الْمُكَاتَبُ الْإِبْرَاءَ، فَقَوْلُ الْمُكَاتَبِ أولى، لأنهن يُرِيدُ تَعْجِيلَ مَا عَلَيْهِ بِالْإِبْرَاءِ.

مَسْأَلَةٌ

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ وَقَدْ قَبَضَ جَمِيعَ الْكِتَابَةِ حَاصَّ الْمُكَاتَبُ بِالَّذِي لَهُ أَهْلُ الدَّيْنِ وَالْوَصَايَا (قَالَ الْمُزَنِيُّ) يَلْزَمُهُ أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى الْوَصَايَا عَلَى أَصْلِ قَوْلِهِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أن الإيتاء واجب كالدين. فإذا أَمْكَنَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنَ السَّيِّدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>