للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَالَةٍ يَحْتَاجُ فِيهَا إِلَى إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الِاحْتِيَاطِ، وَأَوْكَدُ فِي التَّوَثُّقِ.

فَهَذِهِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَفْعَلَهَا فِي مَالِ الْوَلِيِّ عَلَيْهِ لِيَصِحَّ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ فَإِنْ أَخَلَّ بِشَرْطٍ مِنْهَا نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا مِنَ الشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ، وَإِنْ أَخَلَّ بِالشَّهَادَةِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ، كَالشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ.

وَالثَّانِي: لَا يَبْطُلُ. وَتَكُونُ الشَّهَادَةُ تَأْكِيدًا؛ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلِاسْتِيثَاقِ، وَالرَّهْنُ أَقْوَى اسْتِيثَاقًا مِنْهَا، وَلَمْ يَفْتَقِرِ الْوَلِيُّ إِلَيْهَا. فَهَذَا الْحُكْمُ فِي بَيْعِ مَالِهِ وَأَخْذِ رَهْنٍ بِهِ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا قَرْضُ ماله وأخذ رهن بِهِ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الزَّمَانُ آمِنًا، وَالسُّلْطَانُ عَادِلًا لَا يُخَافُ عَلَى الْمَالِ التَّلَفُ. وَلَا يُخْشَى عَلَيْهِ الْهَلَاكُ. فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقْرِضَهُ؛ لِأَنَّ فِي إِقْرَاضِهِ والحالة هذه عدم حظ وقل نَظَرٍ، فَإِنْ أَقْرَضَهُ كَانَ ضَامِنًا.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الزَّمَانُ مَخُوفًا وَالسُّلْطَانُ جَائِرًا يُخَافُ عَلَى الْمَالِ التَّلَفُ، وَيُخْشَى عَلَيْهِ الْهَلَاكُ فَفِي جَوَازِ قَرْضِهِ وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ مَخُوفًا فَالْقَرْضُ مَخُوفٌ. فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَعَجَّلَ أَحَدَ الْخَوْفَيْنِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ قَرْضَهُ أَقَلُّ غَرَرًا وَتَرْكَهُ أَكْثَرُ خَوْفًا. فَعَلَى هَذَا يُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ هَذَا الْقَرْضِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ:

فَالشَّرْطُ الْأَوَّلُ: أَنْ يُقْرِضَهُ لِرَجُلٍ ثِقَةٍ مليء بِحَيْثُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُودِعَهُ مَالَ الْمَوْلَى إليه كَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ. فَإِنْ أَقْرَضَهُ غَيْرَ ثِقَةٍ، أو كان ثقة غير مليء لَمْ يَجُزْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْرِيرِ الْمَالِ.

وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ رَهْنًا بِذَلِكَ لِيَكُونَ وَثِيقَةً بِالدَّيْنِ الَّذِي حَصَلَ عَلَيْهِ. وَيَكُونُ فِي الرَّهْنِ وَفَاءً بِالْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ رَهْنًا أَوْ أَخَذَ مِنْهُ رَهْنًا لَيْسَ فِيهِ وَفَاءٌ لَمْ يَجُزْ.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ أَلَّا يَأْخُذَ عَلَى الْقَرْضِ رَهْنًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ؟ لِأَنَّ الْقَرْضَ إِنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى الْمَالِ، فَلَمَّا جَازَ أَنْ يَخْرُجَ الْمَالُ مِنْ يَدِهِ خَوْفًا عَلَيْهِ، جَازَ أَلَّا يَأْخُذَ رَهْنًا تَخَوُّفًا عَلَيْهِ. وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ الْمَالَ إِنْ تَلِفَ كَانَ مِنْ ضَمَانِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، فَجَازَ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ يَدِهِ. وَلَيْسَ الرَّهْنُ إِنْ تَلِفَ مِنْ ضَمَانِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ يَدِهِ.

وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الِاسْتِيثَاقِ مِنْهُ. فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>