بَابُ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ مِنَ الْمَيْتَةِ مِنْ غَيْرِ كتابٍ
(مَسْأَلَةٌ:)
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى " وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ زيتٍ مَاتَتْ فِيهِ فأرةٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَصْلُ هَذَا مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ فَأْرَةً وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ، فَمَاتَتْ فِيهِ. فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْهَا، فَقَالَ: " أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوهُ ". فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ وَارِدًا فِي السَّمْنِ إِذَا كَانَ جَامِدًا؛ لِأَنَّ إِلْقَاءَ مَا حَوْلَهَا لَا يَصِحُّ إِذَا كَانَ ذَائِبًا.
وَرَوَى الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنِ السَّمْنِ تَقَعُ فِيهِ الْفَأْرَةُ، فَقَالَ: " إِنْ كَانَ جَامِدًا، فَأَلْقُوهَا، وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ ذَائِبًا فَأَرِيقُوهُ ".
وَهَذَا الْحَدِيثُ وَارِدٌ فِي الْجَامِدِ وَالْمَائِعِ، وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ أَثْبَتُ.
فَإِذَا مَاتَتْ فَأْرَةٌ أَوْ غَيْرُهَا مِنَ الْحَيَوَانِ فِي سَمْنٍ أَوْ غَيْرِهِ مَنْ دُهْنٍ أَوْ دِبْسٍ أَوْ لَبَنٍ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ جَامِدًا، أَوْ مَائِعًا.
فَإِنْ كَانَ جَامِدًا نَجُسَ بِمَوْتِ الْفَأْرَةِ. مَا حَوْلَهَا مِنَ السَّمْنِ؛ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ لَاقَتْ مَحَلًّا رَطْبًا، فَنَجِسَ بِهَا كَمَا يَنْجُسُ الثَّوْبُ الرَّطْبُ إِذَا لَاقَى نَجِسًا يَابِسًا، وَكَانَ مَا جَاوَزَ مَا حَوْلَ الْمُلَاقِي لِلْفَأْرَةِ طَاهِرًا؛ لِأَنَّ جُمُودَهُ يَمْنَعُ مِنِ امْتِزَاجِهِ بِالنَّجِسِ.
وَإِنْ كَانَ السَّمْنُ مَائِعًا نَجُسَ جَمِيعُهُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، سَوَاءٌ تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ، أَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ، بِخِلَافِ الْمَاءِ الَّذِي لَا يَنْجُسُ إِذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ.
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ، أَنَّهُ كَالْمَاءِ إِذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ، حَتَّى يَتَغَيَّرَ.
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَجْرَاهُ مَجْرَى الْمَاءِ، وَأَنَّهُ إِذَا اتَّسَعَ، وَلَمْ يَلْتَقِ طَرَفَاهُ لَمْ يَنْجُسْ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْمَائِعَ كَالْمَاءِ فِي إِزَالَةِ الْأَنْجَاسِ، وَهَذَا أَصْلٌ قَدْ خُولِفَ فِيهِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، ثُمَّ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَائِعِ خُصُوصًا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَإِنْ كَانَ ذَائِبًا فَأَرِيقُوهُ ". فَلَمَّا عَمَّ أَمْرُهُ بِالْإِرَاقَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِاسْتِهْلَاكِ الْأَمْوَالِ فِي غَيْرِ تَحْرِيمٍ، وَقَدْ نَهَى عَنْ إِضَاعَتِهَا؛ وَلِأَنَّ طَهَارَةَ الْمَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute