وَجَوَابٌ فَأَمَّا الْغَاصِبُ فَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ بِالطَّحْنِ وَالْقِصَارَةِ لِأَنَّهُ أَحْدَثُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُشْتَرِي.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَإنَّهُمَا آثَارٌ فِي حُكْمِ النَّمَاءِ الَّذِي لَا يَتَمَيَّزُ مِنَ السِّمَنِ وَالْكُبْرِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ حِنْطَتَهُ دَقِيقًا مَطْحُونًا وَثَوْبَهُ مَخِيطًا وَمَقْصُورًا وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الطَّحْنِ وَالْخِيَاطَةِ إِذَا لم يخطه بخيوطه لَهُ وَلِلطَّحَّانِ وَالْخَيَّاطِ أَنْ يَرْجِعَا بِأُجْرَتِهِمَا عَلَى الْمُشْتَرِي يَضْرِبَانِ بِهَا مَعَ الْغُرَمَاءِ وَإِذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الثَّانِي إنَّهَا فِي حُكْمِ الْأَعْيَانِ الْمُتَمَيِّزَةِ كَالثَّمَرَةِ يَمْلِكُهَا الْمُشْتَرِي وَلَا يَرْجِعُ بِهَا الْبَائِعُ فَلَا يَخْلُو حَالُ الطَّحْنِ وَالْقِصَارَةِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي وَعَمَلِهِ أَوْ تَكُونَ بِعَمَلِ أَجِيرٍ قَدِ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى عَمَلِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي تَوَلَّى عَمَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَلَا يَخْلُو عَيْنُ الْمَالِ بَعْدَ حُدُوثِ الْعَمَلِ فِيهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ زيادة ولا نقصان مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةً وَيُقَصِّرَهُ فيسوى بَعْدَ الْقِصَارَةِ عَشَرَةً فَالْعَمَلُ قَدْ صَارَ مُسْتَهْلِكًا وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ مَقْصُورًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِيهِ قَدْ نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ ثوبا يساوي عشرة ويقصره، فيسوى بَعْدَ الْقِصَارَةِ ثَمَانِيَةً فَقَدِ اسْتَهْلَكَ الْعَمَلُ وَنَقَصَ الثَّوْبُ فَيُقَالُ لِلْبَائِعِ هَذَا نَقْصٌ لَا يَتَمَيَّزُ فَلَكَ أَنْ تَأْخُذَ الثَّوْبَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ تَضْرِبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِهِ وَالِاعْتِبَارُ بِزِيَادَتِهِ وَنَقْصِهِ بِقِيمَتِهِ لَا بِثَمَنِهِ، لِأَنَّ الثَّمَنَ قَدْ يَزِيدُ على القيمة وينقص والحال الثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ قَدْ زَادَ فِي قِيمَتِهِ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةً وَيُقَصِّرَهُ فَيُسَاوِي بَعْدَ الْقِصَارَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَالزِّيَادَةُ للمشتري - وهي ثلثه - فَيَصِيرُ شَرِيكًا لِلْبَائِعِ بِهَا فِي الثَّوْبِ فَلَا يَلْزَمُ دَفْعُهُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَّا الْبَائِعُ فَلَحِقَ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِمِلْكِ الْبَائِعِ لَهُ وَيُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ حَتَّى يُبَاعَ فَيُعْطِيَ الْبَائِعَ ثُلُثَيْ ثَمَنِهِ قَلَّ الثَّمَنُ أَوْ أكثر وَيَكُونَ لِلْمُشْتَرِي ثُلُثُ الثَّمَنِ يَدْفَعُهُ إِلَى غُرَمَائِهِ قَلَّ الثَّمَنُ أَوْ كَثُرَ فَهَذَا حُكْمُ الْعَمَلِ إِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ تَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي قَدِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا عَلَى عمله. فلا يخلو أيضا حال الثوب مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ لَمْ يؤثر فيه العمل زيادة ولا نقصان وَكَانَ يُسَاوِي قَبْلَ الْقِصَارَةِ عَشَرَةً وَيُسَاوِي بَعْدَ الْقِصَارَةِ تِلْكَ الْعَشَرَةَ فَيَكُونُ الْعَمَلُ مُسْتَهْلِكًا وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ بِالثَّوْبِ مَقْصُورًا وَيَضْرِبُ الْقَصَّارُ بِأُجْرَتِهِ مَعَ الغرماء لاستهلاك عمله. فإنه قِيلَ فَإِذَا كَانَ الْعَمَلُ كَالْعَيْنِ فَهَلَّا كَانَ الْقَصَّارُ وَالْبَائِعُ شَرِيكَيْنِ فِي الثَّوْبِ بِقِيمَةِ الْعَمَلِ وَقِيمَةِ الثَّوْبِ؟ قُلْنَا: إِنَّمَا يَكُونُ كَالْعَيْنِ إِذَا كَانَ لِقِيمَتِهِ تَأْثِيرٌ فِي الثَّوْبِ فَأَمَّا مَعَ عَدَمِ تَأْثِيرِهِ فَيَصِيرُ مُسْتَهْلِكًا.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَكُونَ الْقِصَارَةُ قَدْ نَقَصَتْ مِنْ قِيمَةِ الثَّوْبِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّوْبِ مَقْصُورًا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إِنْ شَاءَ أَوْ يَضْرِبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِثَمَنِهِ وَلِلْقَصَّارِ أَنْ يَضْرِبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِأُجْرَتِهِ سَوَاءٌ أَخَذَ الْبَائِعُ ثَوْبَهُ أَوْ تَرَكَهُ لِأَنَّ عَمَلَ الْقَصَّارِ صَارَ مُسْتَهْلِكًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute