للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ فِي الشُّرَكَاءِ، إِذَا كَانَ بَيْنَهُمْ نَهْرٌ فأفسد أو عين فغارت أو بئر ما فَانْطَمَثَ وَدَعَا بَعْضُهُمْ إِلَى حَفْرِ ذَلِكَ وَإِصْلَاحِهِ وَامْتَنَعَ الْبَاقُونَ، فَهَلْ يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُونَ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ:

عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ يُجْبَرُونَ وَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ لَا يُجْبَرُونَ، فَإِنِ اخْتَارُوا جَمِيعًا حَفْرَهُ وَإِلَّا تُرِكُوا. وَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى الْحَفْرِ جَبْرًا، أَوِ اخْتِيَارًا، فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَؤُونَةِ الْحَفْرِ كَيْفَ تَكُونُ بَيْنَهُمْ.

فَذَهَبَ أبو حنيفة إِلَى أَنَّ أَهْلَ النَّهْرِ يَجْتَمِعُونَ مَعَ الْأَوَّلِ فَيَحْفِرُونَ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا انْتَهَى الْأَوَّلُ إِلَى آخِرِ مِلْكِهِ. خَرَجَ وَحَفَرَ الْبَاقُونَ مَعَ الثَّانِي، وَخَرَجَ عِنْدَ آخِرِ مِلْكِهِ، وَحَفَرَ الْبَاقُونَ مَعَ الثَّالِثِ هَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْأَخِيرِ، فَيَنْفَرِدَ وَحْدَهُ بِحَفْرِ مَا يَلِيهِ.

قَالَ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ مَاءَ أَهْلِ النَّهْرِ كُلَّهُ يَجْرِي عَلَى أَرْضِ الْأَوَّلِ فَوَجَبَ أَنْ يَشْتَرِكُوا جَمِيعًا فِي حَفْرِهِ وَلَيْسَ يَجْرِي مَاءُ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي، فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَحْفِرَ مَعَهُ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ مَؤُونَةَ الْحَفْرِ مُقَسَّطَةٌ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَمْلَاكِهِمْ، إِلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَسَّطَهَا عَلَى مِسَاحَاتِ الْأَرَضِينَ وَقَدْرِ جَرَيَانِهَا.

لِأَنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ فِيهِ يَسْبَحُ عَلَيْهَا عَلَى قَدْرِ مِسَاحَاتِهَا وَجَرَيَانِهَا وَمِنْهُمْ من قسطها على قدر مساحة وجوه الأرضين الَّتِي عَلَى النَّهْرِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وقول أصحابه لأن مؤنة الْحَفْرِ تَزِيدُ بِطُولِ مِسَاحَةِ الْوَجْهِ الَّذِي عَلَى النَّهْرِ، وَتَقِلُّ بِقِصَرِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا بِهِ.

(فَصْلٌ)

وَإِذَا تَطَوَّعَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فِي الْبِئْرِ أَوِ النَّهْرِ، بِحَفْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُ بَاقِي شُرَكَائِهِ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِالسَّقْيِ مِنْهُ عَلَى مَا كَانَ مُسْتَحَقًّا لَهُ مِنْ قَبْلُ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِيهِ.

وَإِنْ تَفَرَّدَ هَذَا بِآثَارِ الْحَفْرِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ آلَةٌ قَدْ نَصَبَهَا لاستسقاء الماء كالرشا ودلو عَلَى بِئْرٍ أَوْ دُولَابٍ وَبَكَرَةٍ عَلَى بِئْرٍ فَلَهُ مَنْعُ شُرَكَائِهِ مِنَ الِاسْتِسْقَاءِ بِآلَتِهِ، لِأَنَّهَا مِلْكٌ لَهُ لَا حَقَّ فِيهَا لِغَيْرِهِ.

فَإِذَا أَرَادُوا تَعْلِيقَ رِشَا وَدَلْوٍ، أَوْ نَصبَ دُولَابٍ وَبَكَرَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ فِي مَنْعِهِمْ مِنْ ذَلِكَ مَنْعًا مِنَ اسْتِسْقَاءِ الْمَاءِ الَّذِي هُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ.

فَإِنْ كَانَتِ الْبِئْرُ لَا تَحْتَمِلُ إِلَّا رِشَا وَدَلْوًا وَاحِدًا قِيلَ لَهُ أَنْتَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ تُمَكِّنَهُمْ مِنَ السَّقْيِ بِرِشَاكَ وَدَلْوِكَ، وَبَيْنَ أَنْ تَرْفَعَ رِشَاكَ وَدَلْوَكَ عِنْدَ اكْتِفَائِكَ لِيَنْصِبُوا لِأَنْفُسِهِمْ رِشَا وَدَلْوًا، فَإِنْ رَضِيَ بِتَمْكِينِهِمْ مِنَ السَّقْيِ بِرِشَاهُ، وَدَلْوِهِ. وَأَبَوْا أَنْ يَسْقُوا إِلَّا بِرِشَاهُمْ وَدَلْوِهِمْ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَمْ فِي وَضْعِ دَلْوِهِمْ وَرِشَاهُمْ وَلَمْ يَلْزَمْهُمُ الِاسْتِقَاءُ بَدَلْوِهِ وَرِشَاهُ، لِأَنَّهَا عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمُ الْتِزَامُ ضمانها.

<<  <  ج: ص:  >  >>