وَقَالَ أبو حنيفة: لَيْسَ السَّلَامُ مِنَ الصَّلَاةِ اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُسَلِّمُ إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ فَجَعَلَ السَّلَامَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ: وَلِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُنَافِي الصَّلَاةَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ كَالْحَدَثِ وَالْكَلَامِ
قَالَ: وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنَ الصَّلَاةِ لَكَانَ مِنْ شَرْطِهِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فَلَمَّا كَانَ مَعْدُولًا عَنِ الْقِبْلَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الصَّلَاةِ
وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: " مَا نَسِيتُ مِنَ الْأَشْيَاءِ لَا أَنْسَى سَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَمِينًا وَشِمَالًا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عليكم ورحمة الله " فأخبر أن مِنَ الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهُ نُطْقٌ شُرِعَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ كَالْقِرَاءَةِ
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ سَهْلٍ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاةٍ فَبِمَعْنَى، قَارَبَ الْفَرَاغَ منها، وأما الحدث وَالْكَلَامُ فَغَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يَكُنْ من الصلاة
وأما قولهم إنه له كَانَ مِنَ الصَّلَاةِ لَكَانَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ شَرْطًا فِي الصَّلَاةِ، فَاسْتِدْلَالٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ قَدْ يَعْدِلُ عَنِ الْقِبْلَةِ خَفْضًا بِوَجْهِهِ فِي أَرْكَانٍ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الصَّلَاةِ فَكَذَا السَّلَامُ
(فَصْلٌ)
: فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ السَّلَامَ مُعَيَّنٌ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ فَالْكَلَامُ بَعْدَهُ فِي ثَلَاثَةِ فُصُولٍ:
أَحَدُهَا: عَدَدُ السَّلَامِ وَهَيْئَتُهُ
وَالثَّانِي: صِفَةُ السَّلَامِ وَكَيْفِيَّتُهُ
وَالثَّالِثُ: وُجُوبُ النِّيَّةِ فِيهِ
فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي عَدَدِ السَّلَامِ وَهَيْئَتِهِ
فَإِنْ كَانَ الْمُصَلِّي إِمَامًا فَيَ جَمْعٍ كَثِيرٍ وَمَسْجِدٍ عَظِيمٍ فَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْمُصَلِّي مُفْرَدًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ إِمَامًا فِي جَمْعٍ يَسِيرٍ وَمَسْجِدٍ صَغِيرٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ: أَنَّهُ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً مِنْ يَمِينِهِ وَتِلْقَاءَ وَجْهِهِ، وَبِهِ قَالَ ابن عمر، وعائشة رضي الله عنهما وَالْأَوْزَاعِيُّ لِرِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُسَلِّمُ فِي صَلَاتِهِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ يَمْتَدُّ إِلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ قَلِيلًا