للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ: فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ)

(مَسْأَلَةٌ)

: قال الشافعي: " وَإِذَا عَلِمَ مِنْ رَجُلٍ بِإِقْرَارِهِ أَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَهُ بِزُورٍ عَزَّرَهُ وَلَمْ يَبْلُغْ بِالتَّعْزِيرِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَشَهَرَ أَمْرَهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَقَفَهُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلٍ قَبِيلٍ وَقَفَهُ فِي قَبِيلِهِ أَوْ فِي سُوقِهِ وَقَالَ إِنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زور فاعرفوه ".

(حكم شهادة الزور)

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا شَهَادَةُ الزُّورِ فَمِنَ الْكَبَائِرِ.

رَوَى خُرَيْمُ بْنُ فَاتِكٍ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاةَ الصُّبْحِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَامَ قَائِمًا وَقَالَ " عُدِلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ بِالْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ " ثُمَّ تَلَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: ٣٠] .

وَرَوَى مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ شَاهِدَ الزُّورِ لَا تَزُولُ قدماه حتى يتبوأ مقعده من النار ".

(ما يتعلق بشهادة الزور من الأحكام) .

وَالَّذِي يَتَعَلَّقُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا يَعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ شَهِدَ بِزُورٍ.

وَهَذَا يُعْلَمُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: مِنْ إِقْرَارِهِ أَنَّهُ شَهِدَ بِزُورٍ.

وَالثَّانِي: مِنِ اسْتِحَالَتِهِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى رَجُلٍ بِقَتْلٍ، أَوْ زِنًا، فِي زَمَانٍ مُعَيَّنٍ، فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ، وَقَدْ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ.

وَالثَّالِثُ: بِأَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ شَهِدَ بِزُورٍ.

فَأَمَّا إِنْ شَهِدَ بِمَا أَخْطَأَ فِيهِ أَوِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ لَمْ تَكُنْ شَهَادَةُ زُورٍ وَلَكِنْ يُوَبَّخُ عَلَيْهَا، لِتَسَرُّعِهِ إِلَى الشَّهَادَةِ قَبْلَ تَحَقُّقِهَا.

فَإِنْ كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى عَدَالَتِهِ لِعَدَمِ الثِّقَةِ بِهَا.

فَأَمَّا تَعَارُضُ الْبَيِّنَتَيْنِ فَلَا يَقْضِي فِيهِ بِالتَّكْذِيبِ وَالرَّدِّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ تَكْذِيبُ إِحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ تَكْذِيبِ الْأُخْرَى، فَلَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي عَدَالَةِ إِحْدَاهُمَا.

(فَصْلٌ)

: وَالْحُكْمُ الثَّانِي: تَأْدِيبُ شَاهِدِ الزُّورِ.

وَتَأْدِيبُهُ التَّعْزِيرُ، لِأَنَّهُ مِمَّا لَمْ يَرِدْ فِيهِ حَدٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>