للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وَيُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي بِقَذْفِهَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، يُقْبَلُ فِي الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ كِتَابُ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي، وَتَجُوزُ فِيهِمَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ، لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الَّتِي يَجِبُ النَّظَرُ وَالِاسْتِظْهَارُ لِحِفْظِهَا، وَفِي جَوَازِهَا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ فِيهِمَا كِتَابُ قَاضٍ إِلَى قَاضٍ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ، قِيَاسًا عَلَى حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا تَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَلَا يُقْبَلُ فِيهَا كِتَابُ قَاضٍ إِلَى قَاضٍ، لِأَنَّ حُدُودَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، ثُمَّ لِفَرْقٍ ثَانٍ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَتَى، مَا يُوجِبُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ حَدًّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرَهُ، وَمَنْ لزمه حق الآدميين فعليه أن يظهره، فذلك وَجَبَ الِاسْتِظْهَارُ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ دُونَ حُقُوقِ الله تعالى، والله أعلم.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وَتُقْبَلُ الْوَكَالَةُ فِي تَثْبِيتِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْحُدُودِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ أَوْ يَأْخُذَ اللِّعَانَ أُحْضِرَ الْمَأْخُوذُ لَهُ الْحَدَّ وَاللِّعَانَ وَأَمَّا حُدُودُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَتُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْوَكَالَةُ فِي تَثْبِيتِ الْحَدِّ وَالْقَصَاصِ، فَجَائِزَةٌ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا صَحَّ أَنْ يُبَاشِرَ تَثْبِيتَهُ صَحَّ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ رُبَّمَا عَجَزَ مُسْتَحِقُّهَا عَنْ تَثْبِيتِ الْحُجَّةِ فِيهَا وَتَجَوَّزَ عَنْهَا فَجَازَ التَّوْكِيلُ فِي الْحَالَيْنِ كَمَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ، فَإِذَا صَحَّتِ الْوَكَالَةُ فِي تَثْبِيتِ الْحَدِّ وَالْقَصَاصِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُمَا مَا لَمْ يُوَكَّلْ فِي الِاسْتِيفَاءِ، لِأَنَّ فِعْلَ الْوَكِيلِ مَقْصُورٌ عَلَى مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ فَلَمْ يَتَجَاوَزْ بِالتَّثْبِيتِ الِاسْتِيفَاءَ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَإِنْ وَكَّلَهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَظَاهِرُ مَا قَالَهُ هَاهُنَا، وَفِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَظَاهِرُ مَا قَالَهُ فِي الْجِنَايَاتِ جَوَازُهُ. فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي اسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ إِلَّا بِمَشْهَدٍ مِنَ الْوَكِيلِ، فَإِنْ غَابَ لَمْ يَجُزْ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الدِّمَاءَ وَالْأَعْرَاضَ لَا تُسْتَبَاحُ إِلَّا بِيَقِينٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعْفُوَ الْمُوَكِّلُ إِذَا غَابَ وَلَا يَعْلَمُ الْوَكِيلُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>