فيرث بعض ويمنع بعض كَمَا أَنَّ الْمَبْتُوتَةَ بِالطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ لَمَّا لَحِقَ الزَّوْجَ التُّهْمَةُ فِي مَنَعَهَا مِنْ ثُلُثَيْ مَالِهِ لِأَنَّ الثُّلُثَ غَيْرُ مَتْهُومٍ فِي مَنْعِهَا مِنْهُ. لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ كُلَّ وَارِثٍ، فَلَمْ يَلْحَقِ الزَّوْجَ تُهْمَةٌ فِي مَنْعِهَا مِنْهُ وَقَدْ كَانَ يَقْتَضِي عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ أَنْ يُوَرِّثَهَا ثُلُثَيْ مَالِهِ وَلَا يُوَرِّثَهَا مِنَ الثُّلُثِ لِاخْتِصَاصِ التُّهْمَةِ بِالثُّلُثَيْنِ دُونَ الثُّلُثِ وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى إِبْطَالِ هَذَا التَّبْعِيضِ، وَكَانُوا فِي تَوْرِيثِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ: فَمِنْ وَرَّثَهَا مِنْهُمْ وَرَّثَهَا جَمِيعَ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَتْهُومٍ فِي بَعْضِهِ وَمَنْ لَمْ يُوَرِّثْهَا مَنَعَهَا جَمِيعَ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ مَتْهُومًا فِي بَعْضِهِ فَبَطَلَ بِهَذَا الْإِجْمَاعِ تَبْعِيضُ الْمَالِ لِمِيرَاثِ الْخَاطِئِ، ثُمَّ إِنَّ الشَّافِعِيَّ رَدَّ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ تَوْرِيثِ مَنْ رُفِعَ عَنْهُ الْقَلَمُ دُونَ مَنْ جَرَى عَلَيْهِ الْقَلَمُ لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ قَدْ شَارَكَا الْخَاطِئَ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ، وَشَارَكَهُمَا الْخَاطِئُ فِي ارْتِفَاعِ الْمَأْثَمِ فَصَارُوا جَمِيعًا سَوَاءً فِي الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ، فَهَلَّا صَارُوا سَوَاءً فِي الْمِيرَاثِ فِي أَنْ يَرِثُوا أَوْ لَا يَرِثُوا؟ وَكَيْفَ فَرَّقَ بَيْنَهُمْ فِي الْمِيرَاثِ وَقَدْ تَسَاوَوْا فِي سَبَبِهِ وَهَذَا التَّكَافُؤُ فِي الِاعْتِرَاضِ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ الْمَذْهَبَيْنِ وَيَصِحُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ مَنْعِ كُلِّ قَاتِلٍ مِنَ الْمِيرَاثِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ.
وَقَالَ لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنْ لَا مِيرَاثَ لِكُلِّ قَاتِلٍ فَكُلُّ قَاتِلٍ تَعَلَّقَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْقَتْلِ فِي ضَمَانِ دِيَةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ فَلَا مِيرَاثَ لَهُ بِحَالٍ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْقَتْلِ إِذَا تَنَاوَلَهُ اسْمُ الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ بِحَقٍّ، فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا فِيهِ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا كَالْمُقْتَضَى مِنْهُ قَوَدًا فَلَا مِيرَاثَ لَهُ لِتَوَجُّهِ التُّهْمَةِ إِلَيْهِ فِي عُدُولِهِ عَنِ الْعَفْوِ إِلَى الْقِصَاصِ رَغْبَةً فِي الْمِيرَاثِ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ قَتْلُهُ وَلَا يَكُونُ مُخَيَّرًا كَالْحَاكِمِ إِذَا قَتَلَ فِي زنا أو في قصاص استوفاه لخصم فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقْتُلَهُمْ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يَرِثُ لِأَنَّهُ مَتْهُومٌ فِي تَزْكِيَةِ الشُّهُودِ فَمَنَعَتْهُ التُّهْمَةُ مِنَ الْمِيرَاثِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَقْتُلَهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ فَفِي مِيرَاثِهِ لَهُمْ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ يَرِثُهُمْ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْهُ فِي إِقْرَارِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أبي هُرَيْرَةَ وَالْأَكْثَرِينَ وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إِنَّهُ لَا يَرِثُ لِإِطْلَاقِ اسْمِ الْقَتْلِ عَلَيْهِ وَإِنِ انْتَفَتِ التُّهْمَةُ عَنْهُ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بالصواب.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute