تَصِحُّ، حَتَّى يُشَاهِدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَيَسْمَعَ لَفْظَهُمَا بِالْعَقْدِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى الْأَمْلَاكِ، وَالزَّوْجِيَّةِ بِالْخَبَرِ الشَّائِعِ تَصِحُّ، فَلِذَلِكَ تَغَلَّظَتْ دَعْوَى الْعَقْدِ وَتَخَفَّفَتْ دَعْوَى الزَّوْجِيَّةِ.
(فَصْلٌ)
: فَإِذَا صَحَّتْ دَعْوَى النِّكَاحِ عَلَى مَا وَصَفْنَا فَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَتَوَجَّهَ الدَّعْوَى مِنَ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ، فَتُؤْخَذُ بِالْجَوَابِ عَنْهَا، وَلَهَا فِي الْجَوَابِ حَالَتَانِ: إِقْرَارٌ وَإِنْكَارٌ فإن أقرت بالزوجة، حُكِمَ بِإِقْرَارِهَا، وَأَنَّهَا زَوْجَةٌ لِمُدَّعِي نِكَاحِهَا وَسَوَاءٌ كَانَا فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ.
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِذَلِكَ فِي السَّفَرِ وَلَا يَحْكُمُ بِهِ فِي الْحَضَرِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ يَرَى دُخُولَهُ عَلَيْهَا، وَخُرُوجَهُ مِنْ عِنْدِهَا، لِإِمْكَانِ ذَلِكَ فِي الْحَضَرِ وَتَعَذُّرِهِ فِي السَّفَرِ إِلَّا أَنْ يَكُونَا فِي غُرْبَةٍ فَيُقْبَلُ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ خَرَّجَهُ قَوْلًا لَهُ فِي الْقَدِيمِ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَسَبَهُ إِلَى حِكَايَتِهِ لَهُ عَنْ مَالِكٍ وَأَنَّ مَذْهَبَهُ فِي الْقَدِيمِ، وَالْجَدِيدِ، وَقَوْلَ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ إِنَّ تَصَادُقَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ يُوجِبُ الْحُكْمَ بِصِحَّتِهِ فِي الْحَضَرِ، وَالسِّفْرِ، وَفِي الْغُرْبَةِ، وَالْوَطَنِ، لِأَنَّه مِنْ لَوَازِمِ الْعُقُودِ لَهُمَا، فَحُكِمَ فِيهِ بِالصِّحَّةِ لِتَصَادُقِهَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ.
وَلِأَنَّ التَّصَادُقَ عَلَى الْعَقْدِ أَثْبَتُ مِنَ الْبَيِّنَةِ.
وَلِأَنَّ الْعَقْدَ يَسْبِقُ التَّصَرُّفَ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي الْإِقْرَارِ بِهِ وَإِنْ أَنْكَرَتْهُ الزَّوْجَةُ أُحْلِفَتْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَمِينَ عَلَيْهِمَا وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ فِي وُجُوبِ الْأَيْمَانِ فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى.
فَإِنْ حَلَفَتْ فَلَا نِكَاحَ بَيْنِهِمَا، مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا وَبَيِّنَتُهُ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ لَا غَيْرَ، إِمَّا عَلَى حُضُورِ الْعَقْدِ وَإِمَّا عَلَى إِقْرَارِهَا بِهِ، وَأُخِذَتْ بِالِاجْتِمَاعِ مَعَهُ جَبْرًا.
وَإِنْ نَكَلَتْ عَنِ الْيَمِينِ مَعَ عَدَمِهِ لِلْبَيِّنَةِ رُدَّتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَحُكِمَ لَهُ بِنِكَاحِهَا، إِذَا حَلَفَ وَإِنْ نَكَلَ عَنْ يَمِينِ الرَّدِّ انْقَطَعَتِ الدَّعْوَى، وَزَالَ حُكْمُهَا.
(فَصْلٌ)
: وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ دَعْوَى النِّكَاحِ، مُتَوَجِّهَةٌ مِنَ الزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ، فَإِنِ اقْتَرَنَ بِدَعْوَاهَا، طَلَبُ حَقٍّ يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ مَهْرٍ، أَوْ نَفَقَةٍ سُمِعَتْ دَعْوَاهَا عَلَيْهِ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ دَعْوَاهَا، ذِكْرُ شُرُوطِ الْعَقْدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ، وَأَخْذِ الزَّوْجِ بِالْجَوَابِ عَنْ دَعْوَاهَا، وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِدَعْوَاهَا، طَلَبُ حَقٍّ يَتَعَلَّقُ فَفِي وُجُوبِ أَخْذِ الزَّوْجِ بِجَوَابِ دَعْوَاهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُسْأَلُ عَنِ الْجَوَابِ، وَلَا يُؤْخَذُ بِهِ، لِأَنَّه إِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالدَّعْوَى، طَلَبُ حَقٍّ صَارَ إِقْرَارًا لَهُ بِالْعَقْدِ، وَلَا جَوَابَ عَلَى الْمُقِرِّ لَهُ.