تَزَوَّجَتْ بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ، أَوِ ادَّعَى النِّكَاحَ فَقَالَ هَذِهِ زَوْجَتِي، وَتَصِحُّ الدَّعْوَى، وَإِنْ لَمْ يَصِفِ الْعَقْدَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَلْزَمِ فِي دَعْوَى الْبَيْعِ صِفَةُ الْعَقْدِ، وَإِنِ اعْتُبِرَتْ فِيهِ شُرُوطُ، اخْتُلِفَ فِيهَا لَمْ يَلْزَمْ صِفَةُ النِّكَاحِ لِأَجْلِ شُرُوطِهِ، وَاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهَا.
وَالثَّانِي: إِنَّهُ قَدْ يُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ وُجُودُ شَرَائِطٍ كَالْوَلِيِّ، وَالشَّاهِدَيْنِ، وَرِضَا الْمَنْكُوحَةِ، وَعَدَمِ شُرُوطٍ كَعَدَمِ الْعِدَّةِ، وَالرِّدَّةِ، وَالْإِحْرَامِ، فَلَمَّا لَمْ يُعْتَبَرْ فِي دَعْوَى النِّكَاحِ، الشُّرُوطُ الْمَعْدُومَةُ لَمْ تُعْتَبَرِ الشُّرُوطُ الْمَوْجُودَةُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ، وَعَلَيْهِ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ إِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوُجُوبِ، وَأَنَّ الشُّرُوطَ الْمُعْتَبَرُ وُجُودُهَا فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ، شَرْطٌ فِي صِحَّةِ دَعَوَاهُ، سَوَاءٌ تَوَجَّهَتِ الدَّعْوَى إِلَى الْعَقْدِ أَوْ إِلَى الزَّوْجِيَّةِ، وَاخْتُلِفَ عَلَى هَذَا فِي سَبَبِ اخْتِصَاصِهِ فِي الدَّعْوَى بِصِفَةِ الْعَقْدِ، فَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَصَّهُ مِنْ سَائِرِ الْعُقُودِ بِأَنْ قَالَ: " لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ "، وَلَوْلَا هَذَا التَّخْصِيصُ لَكَانَ كَغَيْرِهِ، وَعَلَّلَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ بِأَنَّ الْفُرُوجَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْحَظْرِ، وَالتَّغْلِيظِ فَلَمْ يَجُزْ اسْتِبَاحَتُهَا بِدَعْوَى مُحْتَمَلَةٍ، حَتَّى يَنْفِيَ عَنْهَا الِاحْتِمَالَ بِهِ لِصِفَةٍ.
وَعَلَّلَ أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ بِأَنَّ فِي اسْتِبَاحَةِ الزَّوْجِ إِتْلَافًا لَا يُسْتَدْرَكُ وَمَأْثَمًا لَا يَرْتَفِعُ بِالْإِبَاحَةِ، فَأَشْبَهَ دَعْوَى الْقَتْلِ، وَخَالَفَ مَا سِوَاهُ مِنْ عُقُودِ الْأَمْلَاكِ.
وَعَلَّلَ آخَرُونَ بِأَنَّ الْإِطْلَاقَ فِي عُقُودِ النِّكَاحِ أَكْثَرُ، وَمَا يُطْلَقُ عَلَى اسْمِ النِّكَاحِ مِنْ فَاسِدِ الْعُقُودِ أَقَلُّ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ شُرُوطِ الْوُجُودِ، وَشُرُوطِ الْعَدَمِ وَأَنَّ الشُّرُوطَ الْمَعْدُومَةَ أَصِلٌ فِي الْعَدَمِ، فَحُمِلَتْ عَلَى ظَاهِرِ الْعَدَمِ وَلَيْسَ لِشُرُوطِ الْوُجُودِ أَصْلٌ فِي الْوُجُودِ فَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى ظَاهِرِ الْوُجُودِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: إِنْ كَانَتِ الدَّعْوَى، فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، فَقَالَ تَزَوَّجْتُ هَذِهِ الْمَرْأَةَ، كَانَتْ شُرُوطُ الْعَقْدِ مُعْتَبَرَةٌ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى وَإِنْ اقْتَصَرَتِ الدَّعْوَى عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ، دُونَ الْعَقْدِ فَقَالَ هَذِهِ زَوْجَتِي، لَمْ يَعْتَبِرْ شُرُوطًا لِلْعَقْدِ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى، لِأَنَّ الِاسْتِدَامَةَ أَخَفُّ حُكْمًا مِنْ الابتداء، لأن الشَّهَادَةَ عَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ بِالْخَبَرِ الشَّائِعِ لا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute