أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى التَّرْفِيهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ كَفِدْيَةِ الْأَذِيَّةِ مُخَيَّرًا بَيْنَ دَمِ شَاةٍ أَوْ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ إِطْعَامِ ثَلَاثَةِ آصُعٍ سِتَّةَ مَسَاكِينَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْإِتْلَافِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ فِي التَّعْدِيلِ وَالتَّخْيِيرِ، فَيَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الشَّاةِ أَوْ قِيمَةِ الشَّاةِ طَعَامًا، أَوْ عَدْلِ الطَّعَامِ صِيَامًا، فَأَمَّا مَا وَجَبَ بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ بَعْدَ الْإِحْلَالِ الْأَوَّلِ فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ بَدَنَةٌ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْبَدَنَةِ فِي الْإِفْسَادِ، وَإِنْ قُلْنَا شَاةٌ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الشَّاةِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ فَهَذَا حُكْمٌ غَيْرُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
: فَأَمَّا تَقْدِيمُ هَذِهِ الدِّمَاءِ قَبْلَ وُجُوبِهَا فَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا وَجَبَ فِي الْإِحْرَامِ.
وَالثَّانِي: مَا وَجَبَ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ، فَأَمَّا مَا وَجَبَ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ فَدَمَانِ:
أَحَدُهُمَا: جَزَاءُ صَيْدِ الْحَرَمِ.
الثَّانِي: جَزَاءُ شَجَرِ الْحَرَمِ وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ هَذَيْنِ الدَّمَيْنِ قَبْلَ وُجُوبِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِوُجُوبِهَا سَبَبٌ مُتَقَدِّمٌ، وَأَمَّا مَا وَجَبَ فِي الْإِحْرَامِ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ قَبْلَ الإحرام؛ لأنه سَبَبَ وُجُودِهِ غَيْرُ مَوْجُودٍ، فَأَمَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ فما وجب منها يترك نُسُكٍ كَدَمِ الْفَوَاتِ، وَدَمِ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ، وَدَمِ الدافع من عرفة قبل غروب الشمس، ودم تَرْكِ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَدَمِ رَمْيِ الْجِمَارِ وَدَمِ تارك المبيت بمنى، ودم الصادر من مكة فلا وَدَاعٍ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ قَبْلَ وُجُوبِهِ لِأَنَّ النُّسُكَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ وُجُوبُ الدَّمِ بِهِ مَأْمُورٌ بِفِعْلِهِ بَعْدَ تَقْدِيمِ الدَّمِ، كَمَا كَانَ مَأْمُورًا بِفِعْلِهِ قَبْلَ تَقْدِيمِ الدَّمِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ الَّذِي لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ بَدَلًا مِنَ النُّسُكِ الْمَأْمُورِ بِهِ مَعَ إِمْكَانِ فِعْلِهِ وَأَمَّا مَا وَجَبَ لِغَيْرِ نُسُكٍ فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا لَا يَجُوزُ اسْتِبَاحَةُ مُوجِبِهِ بِحَالٍ وَذَلِكَ الْوَطْءُ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ قَبْلَ وُجُوبِهِ.
وَالثَّانِي: مَا يَجُوزُ اسْتِبَاحَةُ مُوجِبِهِ بِحَالٍ وَهُوَ دَمُ الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ، وَحَلْقِ الشَّعْرِ وَتَقْلِيمِ الظُّفْرِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ فَفِي جَوَازِ تَقْدِيمِهِ قَبْلَ وُجُوبِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ فِي مَالٍ يَتَعَلَّقُ وُجُوبُهُ بِشَيْئَيْنِ وَهَمَا الْإِحْرَامُ وَالْفِعْلُ، فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُ سَبَبَيْهِ جَازَ إِخْرَاجُهُ قَبْلَ وُجُودِ السَّبَبِ الْآخَرِ كَالزَّكَاةِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ وَإِنْ كَانَ أَحَدَ سَبَبَيْ وُجُوبِهِ فَلَيْسَ يُرَادُ لِوُجُوبِ الدَّمِ بِهِ وَإِنَّمَا يُرَادُ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ إِذَا نَسَكَهُ فَلَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ مُبِيحًا لِتَقْدِيمِ الدَّمِ قَبْلَ وُجُوبِهِ، كَمَا أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ، ثُمَّ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الزَّكَاةِ مَعَ وُجُودِ الْإِسْلَامِ