للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا وصى الْأَبُ بِتَزْوِيجِ بِنْتِهِ لَمْ يَكُنْ لِوَصِيِّهِ أَنْ يزوجها صغيرة كانت أم كَبِيرَةً عُيِّنَ لَهُ عَلَى الزَّوْجِ أَوْ لَمْ يعين وَلَا يُزَوِّجْهَا إِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً إِلَّا أَنْ يُعَيَّنَ لَهُ عَلَى الزَّوْجِ.

وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يُزَوِّجُهَا الْوَصِيُّ بِكُلِّ حَالٍ اسْتِدْلَالًا عَلَى ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةً عَلَى مَالِهَا وَنِكَاحِهَا فَلَمَّا جَازَ أَنْ يُوصِيَ بِالْوِلَايَةِ عَلَى مَالِهَا جَازَ أَنْ يُوصِيَ بِالْوِلَايَةِ عَلَى نِكَاحِهَا.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا جَازَ لِلْأَبِ أَنْ يستنيب في حياته وكيلاً جاز له أن يستنيب بعد مَوْتِهِ وَصِيًّا كَالْمَالِ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، لِقَوْلِهِ عليه السلام: " لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ " وَلَيْسَ الْوَصِيُّ وَلِيًّا، وَلِرِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: زَوَّجَنِي خَالِيَ قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ بِابْنَةِ أَخِيهِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَمَضَى الْمُغِيرَةُ إِلَى أُمِّهَا وَأَرْغَبَهَا فِي الْمَالِ فَمَالَتْ إِلَيْهِ، وَزَهِدَتْ فِيَّ فَأَتَى قدامة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ أَنَا عَمُّهَا وَوَصِيُّ أَبِيهَا وَمَا نَقَمُوا مِنِ ابْنِ عُمَرَ إِلَّا أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّهَا يَتِيمَةٌ وَإِنَّهَا لَا تُنْكَحُ إِلَّا بِإِذْنِهَا " فَرَدَّ نِكَاحَهُ مَعَ كَوْنِهِ وَصِيًّا مِنْ غَيْرِ أن يستبرئ حال صغرها وكبرها ولا هل عين الأب على الزوج أم لا؟ فدل على أن النكاح إنما يجاز له؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا وِلَايَةَ لَهُ، وَلِأَنَّ وِلَايَةَ النكاح قد انتقلت بِمَوْتِ الْأَبِ إِلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهَا بِنَفْسِهِ مِنَ الْعَصَبَاتِ فَصَارَ مُوصِيًا فِيمَا غَيْرُهُ أَحَقُّ بِهِ فكان مردود الوصية كما وَصَّى بِالْوِلَايَةِ عَلَى مَالِ أَطْفَالِهِ وَلَهُمْ جَدٌّ إِلَى غَيْرِهِ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ، كَذَلِكَ هَذَا.

وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا: أَنَّهَا وِلَايَةٌ قَدِ انْتَقَلَتْ مِنْ غَيْرِ تَوْلِيَةٍ فَلَمْ يَجُزْ نَقْلُهَا بِالْوَصِيَّةِ كَالْوِلَايَةِ عَلَى الْمَالِ مَعَ وُجُودِ الْجَدِّ، وَفِي هَذَا انْفِصَالٌ عَمَّا ذَكَرَهُ مِنَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ؛ وَلِأَنَّ الْعَصَبَةَ إِنَّمَا اخْتُصُّوا بِالْوِلَايَةِ فِي نِكَاحِهَا لِمَا يَلْحَقُهُمْ مِنْ عَارِهَا بِنِكَاحِهَا غَيْرَ كُفْءٍ فَصَارَ حَقُّ الولاية بينهم مشتركاً لرفع الْعَارِ عَنْهُمْ وَعَنْهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِي الوصي الذي لا يلحقه عارها فلم نثبت وِلَايَتَهُ لِفَقْدِ مَعْنَاهَا، وَلَيْسَ كَالْوَكِيلِ الَّذِي هُوَ نائب غير مُسْتَحِقٍّ لَهَا وَهُوَ مِنْ وَرَائِهِ مُرَاعٍ لِنَفْيِ العار عنه وعنها.

[مسألة]

قال الشافعي: " وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صِمَاتُهَا " دَلَّالَةٌ عَلَى الْفَرْقِ بين الثيب والبكر فِي أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ إِذْنَ الْبِكْرِ الصَّمْتُ والتي تخالفها الْكَلَامُ وَالْآخَرُ أَنَّ أَمْرَهُمَا فِي وِلَايَةِ أَنْفُسِهِمَا مختلفٌ فَوِلَايَةُ الثَّيِّبِ أَنَّهَا أَحَقٌ مِنَ الْوَلِيِّ وَالْوَلِيُّ ههنا الْأَبُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ دُونَ الْأَوْلِيَاءِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.

قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بالأيم هاهنا الثيب لما قدمنا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدِ اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا الْخَبَرِ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فِي كلمتين:

<<  <  ج: ص:  >  >>