فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ فِرَاشًا وَالْأَمَةُ إِذَا صَارَتْ فِرَاشًا لَحِقَ بِهِ وَلَدُهَا إِذَا كَانَ لُحُوقُهُ بِهِ مُمْكِنًا، وَلَا يَمِينَ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَاهُ لَمْ يَنْتَفِ، وَإِذَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي نَفْيِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ يَمِينٌ فِي ادِّعَائِهِ.
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ بِلَا يَمِينٍ فَالْوَلَدُ حُرٌّ لَاحِقٌ بِهِ وَالْجَارِيَةُ قَدْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَقَدْ خَرَجَتْ مِنَ الرَّهْنِ وَلَا قيمة عليه في اليسار والإعسار.
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا إِذَا أَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ أَحَدَ الشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ، فَإِنْ كَانَ إِنْكَارُهُ لِلشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْإِذْنُ فَيَقُولُ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ: أَذِنْتَ لِي فِي وَطْئِهَا وَيَقُولُ الْمُرْتَهِنُ: لَمْ آذَنْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِالرَّاهِنِ بِإِقْرَارِهِ.
وَإِنْ كَانَ إِنْكَارُهُ لِلشَّرْطِ الثَّانِي وَهُوَ الْوَطْءُ، فيقول الراهن: وطأتها بِإِذْنِكَ وَيَقُولُ الْمُرْتَهِنُ: لَمْ تُطَأْ. فَفِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ قول المرتهن ولا يمين عليه؛ لأن الوطأ فِعْلُهُ وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُقِرَّ بِالْوَطْءِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِالْإِذْنِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِالرَّاهِنِ بِإِقْرَارِهِ.
وَإِنْ كَانَ إِنْكَارُهُ لِلشَّرْطِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْوَضْعُ، فَيَقُولُ المرتهن: قد أذنت لك في وطئها فوطئها وَلَكِنْ كَانَ إِنْكَارُهُ الْوَلَدَ أَنَّهَا لَمْ تَضَعْهُ وَلَكِنِ الْتَقَطَتْهُ. وَيَقُولُ الرَّاهِنُ بَلْ وَضَعَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِالرَّاهِنِ بِإِقْرَارِهِ.
وَإِنْ كَانَ إِنْكَارُهُ لِلشَّرْطِ الرَّابِعِ وَهُوَ الْمُدَّةُ، فَيَقُولُ الْمُرْتَهِنُ: وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْإِذْنِ، فَالْجَارِيَةُ رَهْنٌ. وَيَقُولُ الرَّاهِنُ: وَضَعَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ.
فَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي زَمَانِ الْوَطْءِ فَيَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ كَمَا لَوِ اخْتَلَفَا فِي الْوَطْءِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينِهِ، وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بالراهن لإقراره.
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا فَأَمَّا إِذَا كَانَ مُوسِرًا فَتُؤْخَذُ قيمة الجارية ويكون رهنا مكانها أو قصاها.
ثُمَّ إِنَّ الْمُزَنِيَّ اعْتَرَضَ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا فَقَالَ: كَيْفَ نُلْزِمُهُ قِيمَتَهَا إِذَا كَانَ مُوسِرًا وَهُوَ إِنَّمَا أَحْبَلَهَا بِإِذْنٍ فَوَجَبَ أَلَّا تَلْزَمُهُ قِيمَةٌ فِي الْيَسَارِ وَلَا فِي الْإِعْسَارِ.