للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّ الْأُنْسَ بِالْأَهْلِ وَالِاسْتِجَابَةَ لَهُمْ، وَشَرْحَ الْحَالِ مَعَهُمْ أَكْثَرُ مِنَ الْأَجَانِبِ، فَلِهَذِهِ الْأُمُورِ اخْتَرْنَا أَنْ يَكُونَ الْحَكَمَانِ مِنْ أَهْلِ الزَّوْجَيْنِ، فَإِنْ كَانَا أَجْنَبِيَّيْنِ جَازَ، لِأَنَّهُ إِنْ جَرَى التَّحْكِيمُ مَجْرَى الْحَاكِمِ فَحُكْمُ الْأَجْنَبِيِّ نَافِذٌ، وَإِنْ جَرَى مَجْرَى الْوَكَالَةِ فَوَكَالَةُ الْأَجْنَبِيِّ جَائِزَةٌ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ لِوَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ أَهْلٌ وَلَا إنه كَانُوا حَضَرُوا وَلَا إِنْ حَضَرُوا كَانُوا عُدُولًا فَدَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى جَوَازِ تَحْكِيمِ غَيْرِ الْأَهْلِ.

وَأَمَّا مَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْقَوْلِ فِيهِمَا فَهُوَ أَنْ يَكُونَا فَقِيهَيْنِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ.

فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُمَا يَجْرِيَانِ مَجْرَى الْحَاكِمَيْنِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ فَلَمْ يَنْفُذْ إِلَّا مِنْ مُجْتَهِدٍ وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُمَا يَجْرِيَانِ مَجْرَى الْوَكِيلَيْنِ جَازَ أن يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، لِأَنَّ وَكَالَةَ الْعَامَّةِ جَائِزَةٌ، فَإِنْ عَدَلَ الْحَاكِمُ عَنْ أَهْلِهَا إِلَى أَجْنَبِيَّيْنِ اخْتَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَكَمًا يَثِقُ بِهِ وَيَأْنَسُ إِلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَكِّمَ عليهما عدويين للتهمة اللاحقة بهما.

[مسألة]

قال الشافعي: " وَلَوْ فَوَّضَا مَعَ الْخُلْعِ وَالْفُرْقَةِ إِلَى الْحَكَمَيْنِ الْأَخْذَ لِكُلِّ واحدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ كَانَ عَلَى الْحَكَمَيْنِ الِاجْتِهَادُ فِيمَا يَرَيَانِهِ أَنَّهُ صلاحٌ لَهُمَا بَعْدَ مَعْرِفَةِ اخْتِلَافِهِمَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: عَلَى مَا يَتِمُّ بِهِ وِلَايَةُ الْحَكَمَيْنِ.

وَالثَّانِي: مَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ الْحَكَمَانِ وَمَا لَا يَجُوزُ لَهُمَا فِعْلُهُ.

فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِيمَا يَتِمُّ بِهِ وِلَايَةُ الْحَكَمَيْنِ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِاخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا.

فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُمَا حَكَمَانِ تَمَّتْ وِلَايَتُهُمَا بِتَقْلِيدِ الْحَاكِمِ لَهُمَا، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا إِذَنُ الزَّوْجَيْنِ وَلَا رِضَاهُمَا، لَكَانَ لَا بُدَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُعَيِّنَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَكَمَيْنِ أَنْ يَكُونَ مُخْتَصًّا بِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنُوبُ عَنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِي اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنَ الْآخَرِ، وَالنَّظَرِ فِي مَصْلَحَتِهِ ثُمَّ يَرُدُّ إِلَيْهِمَا مَا رَأَيَاهُ صَلَاحًا مِنْ إِصْلَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ، فَإِنْ أَرَادَ بَعْدَ تَحْكِيمِهِمَا أن يستدل بِهِمَا غَيْرَهُمَا فَإِنْ كَانَ لِتَغَيُّرِ حَالِهِمَا أَوْ لِوُجُودِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُمَا جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِتَغَيُّرِ حَالٍ وَلَا لِوُجُودِ مَنْ هُوَ أَوْلَى لَمْ يَجُزْ وَلَوِ اعْتَزَلَ الْحَكَمَانِ جَازَ وَمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لَهُمَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِعَجْزٍ مِنْهُمَا أَوْ لِاشْتِبَاهِ الْأَصْلَحِ عَلَيْهِمَا، وَلَيْسَ لَهُمَا بَعْدَ أَنْ عُزِلَا أَوِ اعْتَزَلَا أَنْ يَحْكُمَا عَلَيْهِمَا بِشَيْءٍ، فَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>