تَقْدِيمِ مِلْكِهَا بِالْعَقْدِ وَفَسْخُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا بِالْعَقْدِ وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يقول فيه: إن الملك موقوف مراعاً.
فَإِذَا أَخَذَ الشَّفِيعُ ذَلِكَ بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عَنْ تَرَاضٍ بِحُكْمٍ أَوْ بِغَيْرِ حُكْمٍ فَهَلْ يَثْبُتُ لَهُ بَعْدَ الْأَخْذِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَهُ خيار المجلس لأن تَمَلَّكَهُ بِمُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مَوْضُوعَةٌ لِدَفْعِ الضَّرَرِ بِهَا كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ الَّذِي لَا يُمْلَكُ فِيهِ بَعْدَ الرَّدِّ خِيَارٌ، وَلَيْسَ كَالْبَيْعِ الْمَوْضُوعِ لِلْمُعَايَنَةِ وَطَلَبِ الْأَرْبَاحِ.
فَصْلٌ
: وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ خِيَارُ الشَّرْطِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، وله ثلاثة أحوال:
أحدها: أَنْ يَكُونَ خِيَارُ الثَّلَاثِ مَشْرُوطًا لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي.
والحال الثاني: أَنْ يَكُونَ مَشْرُوطًا لِلْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي.
وَالْحَالُ الثالث: أَنْ يَكُونَ مَشْرُوطًا لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ، فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ مَشْرُوطًا لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي أَوْ مَشْرُوطًا لِلْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي فَلَا حَقَّ لِلشَّفِيعِ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ مَا لَمْ تَنْقُضْ مُدَّةُ الْخِيَارِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَإِذَا تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِتَقَضِّي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَاسْتَحَقَّ الشَّفِيعُ حِينَئِذٍ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَاذَا يَصِيرُ مَالِكًا لَهَا عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ.
وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ مَشْرُوطًا لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ فَقَدْ روى المزني ها هنا أَنَّ لِلشَّفِيعِ أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ.
وَرَوَاهُ الرَّبِيعُ أَيْضًا قَالَ الرَّبِيعُ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ إنَّهُ لَا حَقَّ لِلشَّفِيعِ فِي أَخْذِهِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْخِيَارِ.
وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى اخْتِلَافِ أَقَاوِيلِهِ فِي انْتِقَالِ الْمِلْكِ فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إِلَّا بِالْعَقْدِ وَانْقِضَاءِ مُدَّةِ الخيار أو أنه موقوف مراعاً فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ إِلَّا بِانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَمْلِكُ عَنِ الْمُشْتَرِي فَامْتَنَعَ أَنْ يَمْلِكَ مَا لَمْ يَمْلِكِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ قِيلَ إِنِ الْمِلْكَ قَدِ انْتَقَلَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ رِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ أَنَّ فِيهِ الشفعة لأنه علقة البائع عند مُنْقَطِعَةٌ وَخِيَارَ الْمُشْتَرِي فِيهِ كَخِيَارِهِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ الشَّفِيعَ مِنَ الْأَخْذِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ رِوَايَةُ الرَّبِيعِ: أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهِ إِلَّا بِانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَرْضَ بِدُخُولِهِ فِي عُهْدَةِ الْعَقْدِ فَخَالَفَ خِيَارَ الْعَيْبِ الْمَوْضُوعِ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَبْنِ الَّذِي قَدْ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ جِهَةِ الشَّفِيعِ، ثُمَّ يَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا ثَلَاثَةُ فُرُوعٍ: