[فصل:]
ولو أوصى بعبده النوبي، ولم يكن له إلا عبدا زنجي، لَمْ يُعْطَ إِلَّا النَّوْبِيَّ، وَلَوْ كَانَ لَهُ جماعة من العبيد النوب: أعطوه أي النوبي شَاءُوا.
وَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ عَبْدِي سَالِمًا الْحَبَشِيَّ، فاجتمع الاسم والجنس في عبد، فَكَانَ لَهُ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ يُسَمَّى سَالِمًا: صَحَّتِ فيه، ولو كان له عبدا يسمى سالما، وليس بحبشي، وعبدا حبشي وليس بسالم: فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّ الصِّفَتَيْنِ اللَّتَيْنِ عَلَّقَ بِهِمَا وصية مِنَ الِاسْمِ وَالْجِنْسِ لَمْ يَجْتَمِعَا.
فَصْلٌ:
فَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِعَبْدِهِ سَالِمٍ الْحَبَشِيِّ وَكَانَ لَهُ عَبْدَانِ حَبَشِيَّانِ اسْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَالِمٌ.
فَإِنْ عَيَّنَا الْمُوصَى بِهِ مِنْهُمَا: صَحَّتْ شَهَادَتُهُمَا فِي الْوَصِيَّةِ لِمَنْ عَيَّنَاهُ.
وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنِ الشَّاهِدَانِ أَحَدَهُمَا، فَفِي شَهَادَتِهِمَا قولان حكاهما ابن سُرَيْجٍ:
أَحَدُهُمَا: بَاطِلَةٌ، لِلْجَهْلِ بِهَا وَالشَّهَادَةُ الْمَجْهُولَةُ مَرْدُودَةٌ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَارِثِ فِي إِنْكَارِ الْوَصِيَّةِ وَإِثْبَاتِهَا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ الشَّهَادَةَ جَائِزَةٌ، لأنها تضمنت وصية لا يؤثر فِيهَا الْجَهَالَةُ بِهَا، ثُمَّ فِيهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابن سريج.
أحدهما: أن العبدين موقوفين بين الموصى له والوارث حتى يصطلحوا على الموصى له منهما، لأنها أشكلا بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ، لَا بِاعْتِرَافِهِمْ، فَلَمْ يُرْجَعْ إِلَى بَيَانِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى بَيَانِ الورثة في أَيِّ الْعَبْدَيْنِ شَاءُوا لِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ بِالشَّهَادَةِ، كَوُجُوبِهَا بِاعْتِرَافِهِمْ فَوَجَبَ أَنْ يُرْجَعَ فِي الْحَالَيْنِ إلى بيانهم.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " ولو هلكت إِلَّا رَأْسًا كَانَ لَهُ إِذَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا إِذَا أَوْصَى بِرَأْسٍ مِنْ ماله: فالوصية جَائِزَةٌ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ رَقِيقِهِ إِذَا كَانَ مَالُهُ بَاقِيًا.
فَأَمَّا إِذَا أَوْصَى بِرَأْسٍ مِنْ رَقِيقِهِ، فَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ إِذَا لَمْ يَمُتْ منهم أحد.
وأما إِذَا حَدَثَ فِيهِمْ مَوْتٌ، فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَهْلِكَ جَمِيعُهُمْ.
وَالثَّانِي: بَعْضُهُمْ.
فَإِنْ هَلَكُوا جميعهم فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ هَلَاكًا غَيْرَ مَضْمُونٍ كَالْمَوْتِ، فَالْوَصِيَّةُ قَدْ بَطَلَتْ، إِلَّا أَنَّهُ إِنْ كَانَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَلَا وَصِيَّةَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَقَدْ هَلَكَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَرَثَةِ جَمِيعًا.