للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَتَدَاخَلُ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إِلَّا جِزْيَةُ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ الْجِزْيَةَ عُقُوبَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَتَدَاخَلَ كَالْحُدُودِ.

وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّهَا مَالٌ يَتَكَرَّرُ وُجُوبُهُ فِي كُلِّ حَوْلٍ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَدَاخَلَ كَالزَّكَاةِ وَالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ مُعَاوَضَةٌ عَنْ حَقْنِ الدَّمِ وَالْمُسَاكَنَةِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَتَدَاخَلَ كَالْأُجْرَةِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْحُدُودِ مَعَ انْتِقَاضِهِ بِمَنْ أَفْطَرَ بِجِمَاعٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَفْطَرَ فِيهِ فِي يَوْمٍ ثَانٍ، لَمْ تَتَدَاخَلِ الْكَفَّارَتَانِ، وَإِنْ كَانَتَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى فِي الْحُدُودِ أَنْ لَا مَالَ فِيهَا، فَجَازَ أَنْ تَتَدَاخَلَ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَالْجِزْيَةُ مَالٌ، فَلَمْ تَتَدَاخَلْ، كَالْمَالِ فِيهَا.

فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، وَغَابَ الذِّمِّيُّ سِنِينَ ثُمَّ عَادَ مُسْلِمًا، وَادَّعَى تَقَدُّمَ إِسْلَامِهِ، وَسُقُوطَ جِزْيَتِهِ فِي جَمِيعِ مُدَّتِهِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: قُبِلَ قَوْلُهُ فِي سُقُوطِهَا عَنْهَا، وَأُحْلِفَ إِنِ اتُّهِمَ.

قَالَ الرَّبِيعُ: وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، لِأَنَّهَا عَلَى أَصْلِ الْوُجُوبِ، فَلَمْ تَسْقُطْ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى.

وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ قَالَ مَذْهَبًا لِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ يَصِحُّ، لِأَنَّهُ خُلْفٌ فِي أَصْلِ الْوُجُوبِ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بالصواب.

[(مسألة)]

: قال الشافعي: " وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ أَنَّ مَنْ ذَكَرَ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أو دين الله بما لا ينبغي أو زنى بمسلمة أو أصابها باسم نكاح أو فتن مسلما عن دينه أو قطع عليه الطريق أو أعان أهل الحرب بدلالة على المسلمين أو آوى عينا لهم فقد نقض عهده وأحل دمه وبرئت منه ذمة الله تعالى وذمة رسوله عليه الصلاة والسلام ويشترط عليهم أن لا يسمعوا المسلمين شركهم وقولهم في عزير والمسيح ولا يسمعونهم ضرب ناقوس وإن فعلوا عزروا ولا يبلغ بهم الحد ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِعَقْدِ الْجِزْيَةِ تَقْوِيَةُ الْإِسْلَامِ، وَإِعْزَازُهُ وَإِضْعَافُ الْكُفْرِ وَإِذْلَالُهُ لِيَكُونَ الْإِسْلَامُ أَعْلَى وَالْكُفْرُ أَخْفَضَ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -

الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى

فَكُلُّ مَا دَعَا إِلَى هَذَا كَانَ الْإِمَامُ مَأْمُورًا بِاشْتِرَاطِهِ عَلَيْهِمْ، وَمَا يُؤْخَذُونَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فِي عَقْدِ جِزْيَتِهِمْ يَنْقَسِمُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ دُونَ الشَّرْطِ.

وَالثَّانِي: مَا وَجَبَ بِالشَّرْطِ، وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ بِالْعَقْدِ.

وَالثَّالِثُ: مَا لَمْ يَجِبْ بِالْعَقْدِ، وَوَجَبَ بِالشَّرْطِ.

وَالرَّابِعُ: مَا لَمْ يَجِبْ بِالْعَقْدِ، وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ بِالشَّرْطِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>