وَالْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ قَذْفٌ بِزِنَاءٍ فَعَلَى هَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِهَذَا الْقَذْفِ إِلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ زِنًا وَاحِدٌ.
(فَصْلٌ)
وَإِنْ لَاعَنَ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ فِيهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَذْكُرَ الْمُسَمَّى فِي لِعَانِهِ أَوْ لَا يَذْكُرَهُ، فَإِنْ ذَكَرَهُ فِي لِعَانِهِ سَقَطَ حَدُّ الْقَذْفِ لَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُحَدُّ لِلْمُسَمَّى، وَلَا يَسْقُطُ بِلِعَانِهِ وَإِنْ ذَكَرَهُ فِيهِ لِاخْتِصَاصِ اللِّعَانِ بِالزَّوْجَاتِ دُونَ الْأَجَانِبِ، فَصَارَ كَمَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ وَأَجْنَبِيَّةً وَلَمْ يَسْقُطْ حَدُّ الْأَجْنَبِيَّةِ بِلِعَانِهِ مِنَ الزَّوْجَةِ، وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ الْعَجْلَانِيَّ سَمَّى شَرِيكَ بْنَ السَّحْمَاءِ فَلَمْ يَحُدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَهُ بَعْدَ لِعَانِهِ فَدَلَّ عَلَى سُقُوطِ الْحَدِّ بِهِ، وَلِأَنَّ لِعَانَهُ قَدْ أَوْجَبَ تَصْدِيقَهُ فِي حَدِّ الْأَجْنَبِيِّ، لِأَنَّهُ زِنًا وَاحِدٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مُصَدَّقًا وَمُكَذَّبًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي لِعَانِهِ وَطَالَبَ بِحَدِّهِ، فَإِنْ أَعَادَ اللِّعَانَ فَذَكَرَهُ فِيهِ فَلَا حَدَّ فَيَكُونُ هَذَا اللِّعَانُ لِاسْتِدْرَاكِ مَا أَخَلَّ بِهِ فِي اللِّعَانِ الْأَوَّلِ.
وَإِنْ لَمْ يُعِدْهُ فَفِي وُجُوبِ حَدِّهِ قولان:
أحدهما: لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِاللِّعَانِ حَدُّ مَنْ لَمْ يُسَمِّ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا حَدَّ لِأَنَّهُ زِنًى وَاحِدٌ وَقَدْ حُكِمَ بِتَصْدِيقِهِ فِيهِ بِلِعَانِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ فَسَقَطَ الْحَدُّ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ.
(مَسْأَلَةٌ)
قَالَ الشافعي: " وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَذَفَهَا حُبِسَ حَتَّى يَعْدِلُوا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ قَذَفَهَا فَأَنْكَرَ. فَأَقَامَتْ عَلَيْهِ شَاهِدَيْنِ، أَوْ كَانَتْ دَعْوَى الْقَذْفِ بَيْنَ أَجْنَبِيَّيْنِ، نُظِرَتْ عَدَالَةُ الشَّاهِدَيْنِ، فَإِنْ عُلِمَتْ عَدَالَتُهُمَا حُكِمَ بِهِمَا، وَإِنَ عُلِمَ جَرْحُهُمَا أُسْقِطَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ جُهِلَ حَالُهُمَا حُبِسَ الْقَاذِفُ حَتَّى يُسْتَكْشَفَ عَنْهُمَا لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَالَةُ الشَّاهِدَيْنِ وَإِنَّمَا يُتَوَقَّفُ لِلْكَشْفِ عَنْ جَرْحِهِمَا. وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُدَّعِيَ قَدْ فَعَلَ مَا عَلَيْهِ مِنْ إِحْضَارِ الْبَيِّنَةِ وَبَقِيَ مَا عَلَى الْحَاكِمِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْعَدَالَةِ، فَأَمَّا إِنْ شَهِدَ بِالْقَذْفِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ عَدَالَتُهُ لَمْ يُحْبَسِ الْقَاذِفُ وَإِنْ عُرِفَتْ عَدَالَتُهُ فَهَلْ يُحْبَسُ عَلَى حُضُورِ الشَّاهِدِ الْآخَرِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُحْبَسُ، لِأَنَّهُ كَمَا حُبِسَ مَعَ كَمَالِ الْعَدَدِ وَنُقْصَانِ الْعَدَالَةِ جَازَ أَنْ يُحْبَسَ مَعَ كَمَالِ الْعَدَالَةِ وَنُقْصَانِ الْعَدَدِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ حَبْسُهُ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ بِكَمَالِ الْعَدَدِ مَوْجُودَةٌ وَبِنُقْصَانِهِ مَفْقُودَةٌ.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يَكْفُلُ رَجُلٌ فِي حَدٍّ وَلَا لِعَانٍ ولا