الْمُبَارِزِ مِنْهُمْ وَيَقْتُلُوهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، وَإِنِ اخْتَصَّ بِالْمُبَارَزَةِ الْوَاحِدُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: اللَّهُمَّ إلا أن العادة جارة أَنَّ مَنْ بَارَزَ لَا يُعْرَضُ لَهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَى صَفِّهِ، فَيُحْمَلُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَتَصِيرُ الْعَادَةُ كَالشَّرْطِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرْطٌ فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ غَيْرُ مَنْ بَرَزَ إِلَيْهِ، فَيَجِبَ الْوَفَاءُ بِشَرْطِهِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ^) [المائدة: ١] وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ " فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَ الْمُشْرِكَ مَا كَانَ الْمُسْلِمُ عَلَى قِتَالِهِ، فَإِذَا انْقَضَى الْقِتَالُ بَيْنَهُمَا إِمَّا بِأَنْ وَلَّى الْمُسْلِمُ أَوْ جُرِحَ فَكَفَّ عَنِ الْقِتَالِ، أَوْ وَلَّى الْمُشْرِكُ أَوْ جُرِحَ فَكَفَّ عَنِ الْقِتَالِ كَانَ لَنَا أَنْ نُقَاتِلَ الْمُشْرِكَ وَنَقْتُلَهُ؛ لِأَنَّ أَمَانَهُ كَانَ مَشْرُوطًا بِمُدَّةِ الْمُقَاتَلَةِ فَانْقَضَى بِزَوَالِ الْمُقَاتَلَةِ؛ وَلِأَنَّ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ لَمَّا أَثْخَنَ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ قِتَالٌ، مَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَحَمْزَةُ بن عبد المطلب على شيبة حتى أجازا عَلَيْهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَسْتَظْهِرَ فِي إِشْرَاطِ الْأَمَانِ لِنَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ آمِنًا حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى صَفِّهِ، فَيُحْمَلَ عَلَى شَرْطِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاتَلَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُبَارَزَةِ، حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى صَفِّهِ، وَفَاءً بِالشَّرْطِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُشْرِكِ إِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ، يَبْطُلُ بِهَا أَمَانُهُ:
إِحْدَاهُنَّ: أَنْ يُوَلِّيَ عَنْهُ الْمُسْلِمُ، فَيَتْبَعَهُ، فيبطل أمانه، ويجوز لنا أنا نُقَاتِلَهُ وَنَقْتُلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُبَارَزَةَ قَدِ انْقَضَتْ، وَأَمَانَهُ مِنَّا مُسْتَحَقٌّ عِنْدَ أَمَانِنَا مِنْهُ، فَإِذَا لَمْ نأمنه لم نؤمنه.
والخصلة الثاني: أَنْ يَظْهَرَ الْمُشْرِكُ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَيَعْزِمَ عَلَى قَتْلِهِ، فَيَجِبَ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَنْقِذَ مِنْهُ الْمُسْلِمَ لما يَلْزَمُ مِنْ حِرَاسَةِ نَفْسِهِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى اسْتِنْقَاذِهِ مِنْهُ بِغَيْرِ قَتْلِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْتَلَ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِنْقَاذِهِ مِنْهُ إِلَّا بِقَتْلِهِ جَازَ لَنَا أَنْ نَقْتُلَهُ، لِأَنَّهُ لا أمان على قتل مسلم.
والخصلة الثالث: أَنْ يَسْتَنْجِدَ الْمُشْرِكُ أَصْحَابَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي مَعُونَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ، فيَبْطُلُ أَمَانُهُ، لِأَنَّهُ كَانَ مَشْرُوطًا بِالْمُبَارَزَةِ، وَقَدْ زَالَ حُكْمُهَا بِالِاسْتِنْجَادِ، فَإِنْ أَعَانُوهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَنْجِدَهُمْ نُظِرَ، فَإِنْ نَهَاهُمْ عَنْ مَعُونَتِهِ فَلَمْ يَنْتَهُوا كَانَ عَلَى أَمَانِهِ، وَكَانَ لَنَا قِتَالُ مَنْ أَعَانَهُ دُونَهُ، وإن لم ينهم كَانَ إِمْسَاكُهُ عَنْهُمْ رِضًا مِنْهُ بِمَعُونَتِهِمْ لَهُ، فَصَارَ كَاسْتِنْجَادِهِ لَهُمْ فِي نَقْضِ أَمَانِهِ وَجَوَازِ قتاله وقتله.
[(فصل)]
: وإذا أخذت رؤوس الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ قَتْلِهِمْ؛ لِتُحْمَلَ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَقَدْ كَرِهَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِقَتْلَى بَدْرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute