للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا غَايَةُ سِنِّ الْغُرَّةِ فَمُعْتَبَرٌ بِشَرْطَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: أَكْمَلُ مَا يَكُونُ نَفْعًا.

وَالثَّانِي: أَزْيَدُ مَا يَكُونُ ثَمَنًا وَهِيَ قَبْلَ الْعِشْرِينَ أَزْيَدُ ثَمَنًا وَأَقَلُّ نَفْعًا، وَبَعْدَ الْعِشْرِينَ أَكْمَلُ نَفْعًا وَأَقَلُّ ثَمَنًا، فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ الْعِشْرُونَ سَنَةً حَدًّا لِلْغَايَةِ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ سِنٍّ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ وَكَمَالِ الْمَنْفَعَةِ فَلَا يُقْبَلُ فِيمَا جَاوَزَهَا وَيُقْبَلُ فِيمَا دُونَهَا وَيَسْتَوِي فِيهَا الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ، وَفَرَّقَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي غَايَةِ السِّنِّ بَيْنَ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ فَجَعَلَ الْغَايَةَ فِي سِنِّ الغلام خمس عشر سَنَةً وَهِيَ حَالُ الْبُلُوغِ، وَالْغَايَةُ فِي سِنِّ الْجَارِيَةِ عِشْرِينَ سَنَةً، لِأَنَّ ثَمَنَ الْغُلَامِ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَنْقُصُ وَثَمَنَ الْجَارِيَةِ إِلَى الْعِشْرِينَ، يَزِيدُ وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَمَّا لَمْ يَخْتَلِفَا فِي أَوَّلِ السِّنِّ وَجَبَ أَنْ لَا يَخْتَلِفَا فِي آخِرِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ نُقْصَانَ ثَمَنِهِ مقابل لزيادة نفعه فتعارضا وتساوا فِيهِمَا الْجَارِيَةُ وَالْغُلَامُ، لِأَنَّ تَأْثِيرَ السِّنِّ فِي الْجَارِيَةِ أَكْثَرُ مِنْ تَأْثِيرِهِ فِي الْغُلَامِ.

(مَسْأَلَةٌ)

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهَا مَعِيبَةً وَلَا خَصِيَّا لِأَنَّهُ نَاقِصٌ عَنِ الْغُرَّةِ وَإِنْ زَادَ ثَمَنُهَا بِالْخِصَاءِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، يُعْتَبَرُ فِي الْغُرَّةِ السَّلَامَةُ مِنَ الْعُيُوبِ كُلِّهَا وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي الْكَفَّارَةِ مِنَ الْعُيُوبِ إِلَّا مَا أَضَرَّ بِالْعَمَلِ فِيهَا لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الرَّقَبَةَ فِي الْكَفَّارَةِ مُطْلَقَةٌ فَجَازَ أَنْ يَلْحَقَهَا بَعْضُ الْعُيُوبِ وَفِي الْغِرَّةِ مُقَيَّدَةٌ بِمَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ مِنْ جَمِيعِ الْعُيُوبِ، وَلِذَلِكَ جَازَ فِي الْكَفَّارَةِ مِنْ نَقْصِ السِّنِّ مَا لَمْ يَجُزْ فِي الْغِرَّةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى تَقَعُ فِيهِ الْمُبَاشَرَةُ وَالْغُرْمُ عِوَضٌ لِآدَمِيٍّ يُعْتَبَرُ فِيهِ السَّلَامَةُ كَمَا يَعْتَبَرُ السَّلَامَةُ مِنَ الْعُيُوبِ فِي إِبِلِ الدِّيَةِ.

فَأَمَّا الْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ فَلَا يُؤْخَذُ فِي الْغِرَّةِ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَزْيَدُ ثَمَنًا فَإِنَّهُ أَقَلُّ نَفْعًا، وَيُجزِئُ فِي الْغِرَّةِ ذَاتُ الصَّنْعَةِ وَغَيْرُهَا، لِأَنَّ الصَّنْعَةَ زِيَادَةٌ عَلَى كَمَالِ الْخِلْقَةِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهَا كَمَا لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهَا الِاكْتِسَابُ.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَقِيمَتُهَا إِذَا كَانَ الْجَنِينُ حُرًّا مُسْلِمًا نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ مُسْلِمٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ إِطْلَاقَ الْغِرَّةِ لَا يَنْفِي عَنْهَا جَهَالَةَ الْأَوْصَافِ فَاحْتِيجَ إِلَى تَقْدِيرِهَا بِمَا يَنْفِي الْجَهَالَةَ عَنْهَا لِتَسَاوِي جَمِيعِ الدِّيَاتِ فِي الصِّفَةِ فَعَدَلَ إِلَى وصفها

<<  <  ج: ص:  >  >>