[(مسألة)]
: قال الشافعي:: " وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَغْزُوَ بِجُعْلٍ مِنْ مَالِ رجل ويوده إِنْ غَزَا بِهِ وَإِنَّمَا أُجْرَتُهُ مِنَ السُّلْطَانِ لِأَنَّهُ يَغْزُو بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَغْزُوَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَعْيَانِ النَّاسِ بِجُعْلٍ أَوْ غَيْرِ جُعْلٍ، لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّهُ إِذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ تَعَيَّنَ فَرْضُ الثَّبَاتِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنُوبَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ كَالْحَجِّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنُوبَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ فَرْضُهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَدْفَعُ إِذَا حَضَرَ الزَّحْفَ عَنْ نَفْسِهِ، وَيَقْصِدُ حَقْنَ دَمِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِعِوَضٍ عَلَى غَيْرِهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَمْلِكُ لِحُضُورِ الْوَقْعَةِ سَهْمَهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَلَوْ صَحَّتِ الْجَعَالَةُ لَمَلَكَهُ صَاحِبُهَا دُونَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ جَازَ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ بِجُعْلٍ وَغَيْرِ جُعْلٍ فَهَلَّا جَازَ إِذَا غَزَا عَنْ نَفْسِهِ أَنْ يَغْزُوَ عَنْ غَيْرِهِ بِجُعْلٍ أَوْ غَيْرِ جُعْلٍ.
قِيلَ: لِأَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ لَا يَتَكَرَّرُ فَصَحَّتْ فِيهِ النِّيَابَةُ وَلَوْ تَكَرَّرَ فَرْضُ الْحَجِّ فِي كُلِّ عَامٍ بِأَنْ قَالَ: إن شفى الله مرضي فلله عَلَيَّ أَنْ أَحُجَّ فِي كُلِّ سَنَةٍ لَمْ تَصِحَّ مِنْهُ النِّيَابَةُ لِبَقَاءِ فَرْضِهِ عَلَيْهِ كَالْجِهَادِ، فَإِذَا صَحَّ فَسَادُ النِّيَابَةِ فِي الْجِهَادِ وَجَبَ عَلَى الْغَازِي رَدُّ الْجَعَالَةِ، وَكَانَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ إِنِ اسْتَهْلَكَهَا.
فَأَمَّا جَعَالَةُ السُّلْطَانِ إِذَا بَذَلَهَا لِلْغُزَاةِ، مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَجَائِزٌ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بَذَلَهَا لِلْجِهَادِ عَنِ الْكَافَّةِ دُونَهُ، وَلَوْ بَذَلَهَا لِلنِّيَابَةِ عَنْهُ لَمْ تَصِحَّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ بَذَلَهَا لَهُمْ مِنْ مَالٍ هُوَ مُسْتَحَقٌّ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ إِنْ كَانُوا مِنْ مُرْتَزِقَةِ أَهْلِ الْفَيْءِ كَانَ لَهُمْ حَقٌّ فِي مَالِ الْفَيْءِ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ مُتَطَوِّعَةِ الْأَعْرَابِ وَأَهْلِ الصَّدَقَاتِ كَانَ لَهُمْ حَقٌّ فِي سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ أَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ، وَلِذَلِكَ إِذَا رَجَعُوا عَنِ الْحَرْبِ لِمَانِعٍ لَمْ يَسْتَرْجِعْ مِنْهُمْ مَا أَخَذُوهُ لِحَقِّهِمْ فِيهِ. وَلَكِنْ لَا بَأْسَ أَنْ يَبْذُلَ الْإِنْسَانُ مَالًا يَبَرُّ بِهِ الْغَازِي وَالْحَاجَّ. وَفَاعِلُ الْبِرِّ مَعُونَةً لَهُ لِيَكُونَ لِلْبَاذِلِ ثَوَابُ بَذْلِهِ، وَلِلْعَامِلِ ثَوَابُ عَمَلِهِ، لِأَنَّهُ يَنُوبُ فِيهِ عَنْ نَفْسِهِ لَا عَنْ بَاذِلِ الْمَالِ.
رَوَى زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا أَوْ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ ".
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لِلْغَازِي أَجْرُهُ، وَلِلْجَاعِلِ أَجْرُهُ وَأَجْرُ الغازي ".