أحدهما: قوله {فأمسكوهن بمعروف} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ إِبَاحَةَ الِامْتِلَاكِ يَكُونُ بَعْدَ الْإِمْسَاكِ.
وَالثَّانِي: أَمْرُهُ بِالْإِشْهَادِ فِي الرَّجْعَةِ، إِمَّا واجب على القديم، أو ندباً عَلَى الْجَدِيدِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا عَلَى وَجْهٍ تَصِحُّ فِيهِ الشَّهَادَةُ، وَالْوَطْءُ مِمَّا لَمْ تَجُزْ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ عَادَةً، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا) فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الرَّجْعَةِ قَبْلَ إِمْسَاكِهَا، وَإِلَّا يَكُونُ إِمْسَاكُهَا رَجْعَةً وَلِأَنَّهُ رفع الحكم طَلَاقِهِ فَلَمْ يَتِمَّ إِلَّا بِالْقَوْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ كَالْبَائِنِ، وَلِأَنَّهَا حَادِثَةٌ فِي فُرْقَةٍ فَلَا يَصِحُّ إِمْسَاكُهَا بِالْوَطْءِ كَالزَّوْجَيْنِ الْحُرَّيْنِ إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَوْلِ فَلَمْ تَصِحَّ بِهِ الرَّجْعَةُ كَالْقُبْلَةِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، وَلِأَنَّ مَا كَمُلَ بِهِ الْمَهْرُ لَمْ تَصِحَّ بِهِ الرَّجْعَةُ، كَالْخَلْوَةِ.
وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ عَنِ الْوَطْءِ فَاسْتَحَالَ أَنْ تَنْقَطِعَ الْعِدَّةُ بِالْوَطْءِ، لِأَنَّ مَا يُوجِبُ الشَّيْءَ لَا يَقْطَعُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَطْءَ يُسْتَبَاحُ بِالْعَقْدِ فَاسْتَحَالَ أَنْ يُقْطَعَ العقد.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَهُوَ أَنَّ الرَّدَّ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُشَاهَدٍ، وَحُكْمٍ فَرَدُّ الْمُشَاهَدَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْفِعْلِ كَالْوَدِيعَةِ، وَرَدُّ حُكْمٍ فَلَا يَكُونُ إِلَّا بِالْقَوْلِ كَقَوْلِهِ: رَدَدْتُ فُلَانًا إِلَى حِزْبِي أَوْ إِلَى مَوَدَّتِي، وَرَدُّ الرَّجْعَةِ حُكْمٌ فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا بِالْقَوْلِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى مُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَالْعُنَّةِ، فَهُوَ أَنَّ الْمُدَّةَ غَيْرُ مَضْرُوبَةٍ فِي الْإِيلَاءِ، وَالْعُنَّةِ لِلْفُرْقَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ مَضْرُوبَةٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْمُطَالَبَةِ، وَالْمُدَّةَ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ غَيْرُ مَضْرُوبَةٍ لِلْفُرْقَةِ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ دُونَ الْمُدَّةِ فَلَمْ يَسْلَمْ وَصْفُ الْعِلَّةِ فِي أَصْلِهِ وَفَرْعِهَا، ثُمَّ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَالْعُنَّةِ الْمُعْتَبَرُ فِيهَا أَنَّهَا لَا تَرْتَفِعُ بِالْقَوْلِ فَلِذَلِكَ ارْتَفَعَتْ بِالْوَطْءِ، وَهَذِهِ لَمَّا ارْتَفَعَتْ بِالْقَوْلِ لَمْ تَرْتَفِعْ بِالْوَطْءِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى مُدَّةِ الْخِيَارِ فَالْمَعْنَى فِيهَا أَنَّهَا اسْتِبَاحَةُ مِلْكٍ وَاسْتِعَادَةُ مِلْكٍ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّجْعَةُ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِتَأْثِيرِ الْوَطْءِ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا، فَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ الْوَطْءَ إِنَّمَا هُوَ تَمْلِيكٌ لَا يُوجِبُ اسْتِيفَاءَ نِكَاحٍ وَلَا تَجْدِيدَهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَصِيرَ فِي الرَّجْعَةِ مُوجِبًا اسْتِيفَاءَ نِكَاحٍ كَمَا لم يوجب تجديده.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: (وَالْكَلَامُ بِهَا أَنْ يَقُولَ قَدْ رَاجَعْتُهَا أَوِ ارْتَجَعْتُهَا أَوْ رَدَدْتُهَا إِلَيَّ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ إِذَا لَمْ تَكُنْ إِلَّا بِالْكَلَامِ اخْتُصَّتْ بِالتَّصْرِيحِ دُونَ الْكِنَايَةِ، وَلِلتَّصْرِيحِ فِي الرَّجْعَةِ لَفْظَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: رَاجَعْتُكِ أَوِ ارْتَجَعْتُكِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute