مِنْ عَامِرِهَا، وَلَوِ انْهَدَمَتْ بُيُوتُهَا، وَبَقِيَ سُورُهَا، فَإِنْ كَانَ السُّورُ مَانِعًا لِعُلُوِّهِ حَنِثَ بِدُخُولِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَانِعٍ لِقِصَرِهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ، وَخَرَّجَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَجْهًا آخر فمن حلف لا يدخل الدار، ورقا عَلَى سَطْحِهَا أَنَّهُ يَحْنَثُ، إِذَا كَانَتْ عَلَيْهِ سُتْرَةٌ وَلَيْسَ هَذَا التَّحْرِيمُ صَحِيحًا، لِأَنَّ السَّطْحَ مُمْتَنِعٌ بِسُكْنَى أَسْفَلِهِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ قِصر سُتْرَتِهِ مَانِعًا فَخَالَفَ الْبَاقِيَ مِنْ سُتْرَةِ الدَّارِ.
(فَصْلٌ:)
وَإِذَا انْهَدَمَتِ الدَّارُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا، فَبُنِيَتْ مَسْجِدًا، أَوْ حَمَّامًا، لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِهِ، سَوَاءٌ كان البناء بتلك الْآلَةِ، أَوْ بِغَيْرِهَا لِزَوَالِ اسْمِ الدَّارِ عَنْهَا. وَإِنْ أُعِيدَ بِنَاؤُهَا داراُ، لَمْ يَخْلُ أَنْ تُبْنَى بِتِلْكَ الْآلَةِ، أَوْ بِغَيْرِهَا، فَإِنْ بُنِيَتْ بِغَيْرِ تِلْكَ الْآلَةِ، لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ دَخَلَ غَيْرَ تِلْكَ الدَّارِ، وَإِنْ بُنِيَتْ بِتِلْكَ الْآلَةِ فَفِي حِنْثِهِ بِدُخُولِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَا يَحْنَثُ، لِأَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ الْبِنَاءِ يَجْعَلُهَا غَيْرَ تِلْكَ الدَّارِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَحْنَثُ لِأَنَّ تِلْكَ الْعَرْصَةَ، وَتِلْكَ الْآلَةَ تَجْعَلُهَا تِلْكَ الدَّارُ وَجَرَى تَغْيِيرُ بِنَائِهَا، مَجْرَى تَغْيِيرِ سُقُوفِهَا وَأَبْوَابِهَا.
(مَسْأَلَةٌ:)
قَالَ الشافعي: " وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مِنْ بَابِ هَذِهِ الدَّارِ فِي موضعٍ فَحَوَّلَ لَمْ يَحْنَثْ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يَدْخُلَهَا فَيَحْنَثَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو حَالُ مَنْ حَلَفَ، لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أحدها: أن يطلق بيمينه فِي دُخُولِهَا، وَلَا يُسَمِّيَ مَوْضِعَ دُخُولِهِ إِلَيْهَا، فَيَحْنَثُ بِدُخُولِهَا مِنْ بَابِهَا، وَغَيْرِ بَابِهَا، مِنْ ثُقْبٍ فِيهَا، أَوْ جدارٍ تَسَوَّرَهُ، حَتَّى دَخَلَهَا لِأَنَّ عَقْدَ الْيَمِينِ فِي الْإِطْلَاقِ مقصورٌ عَلَى الدُّخُولِ، دُونَ الْمَدْخَلِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَحْلِفَ " لَا دَخَلْتُهَا مِنْ هَذَا الْبَابِ " فَإِنْ دَخَلَهَا مِنْهُ حَنِثَ، وَإِنْ دَخَلَهَا مِنْ بَابٍ اسْتُحْدِثَ لها، لم يحنث، سواء فعل ذلك الباب مِنَ الْأَوَّلِ إِلَى الْمُسْتَحْدَثِ، أَوْ تُرِكَ. وَحَكَى أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفِرَايِينِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إِنْ نَقَلَ بَابَ الْأَوَّلِ إِلَى الثَّانِي، حَنِثَ بِدُخُولِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَإِنْ تَرَكَ عَلَى الْأَوَّلِ حَنِثَ بِدُخُولِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِ الثَّانِي فَجَعَلَ الْبَابَ مُعْتَبَرًا بِالْخَشَبِ الْمَنْحُوتِ دُونَ الْفَتْحِ الْمَعْقُودِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْبَابَ مُعْتَبَرٌ بِالْفَتْحِ الْمَعْقُودِ، دُونَ الْخَشَبِ الْمَنْصُوبِ، لِأَنَّ الْبَابَ عَلَى مَا يَكُونُ مِنْهُ الدُّخُولُ، وَالْخُرُوجُ، وَذَلِكَ مِنَ الْفَتْحِ الْمَعْقُودِ، فَكَانَ أَحَقَّ بِالِاسْمِ مِنَ الْخَشَبِ الْمَنْصُوبِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَحْلِفَ لَا دَخَلْتُ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ بَابِهَا، وَلَا يُشِيرُ إِلَى بَابٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute