للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابُ الْحَالِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا النَّفَقَةُ وَمَا لا يجب من كتاب عشرة النساء) (وكتاب التعريض بالخطبة ومن الإملاء على مسائل مالك)

[(مسألة)]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَخَلَّتْ أَوْ أَهْلُهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ بِهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لِأَنَّ الْحَبْسَ مِنْ قبله وقال في كتابين وقد قيل إذا كان الحبس من قبله فعليه وإذا كان من قبلها فلا نفقة لها ولو قال قائل ينفق لأنها ممنوعة من غيره كان مذهباً (قال المزني) رحمه الله قد قطع بأنها إذا لم تخل بينه وبينها فلا نفقة لها حتى قال فإن ادعت التخلية فهي غير مخلية حتى يعلم ذلك منها ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْمُسْتَحَقُّ بِالزَّوْجِيَّةِ مِنْ حُقُوقِ الْأَمْوَالِ شَيْئَانِ: الْمَهْرُ، وَالنَّفَقَةُ.

فَأَمَّا الْمَهْرُ فَيَجِبُ بِالْعَقْدِ، وَقَدْ مَضَى بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ.

وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَلَا تَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لِسُقُوطِهَا بِالنُّشُوزِ، وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَزَوَّجَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَدَخَلَ بِهَا بَعْدَ سِنْتَيْنِ فَمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا حَتَّى دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا لَنُقِلَ، وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَهَا لَسَاقَهُ إِلَيْهَا وَلَمَا اسْتَحَلَّ أَنْ يُقِيمَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ حَقٍّ وَجَبَ لَهَا، وَلَكَانَ إِنْ أَعْوَزَهُ فِي الْحَالِ بِسَوْقِهِ إِلَيْهَا من بعد أو يعملها بِحَقِّهَا ثُمَّ يَسْتَحِلُّهَا لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ بِفَرْضٍ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَكَذَلِكَ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِمْتَاعِ، لِأَنَّ الْمَوْطُوءَةَ بِشُبْهَةٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ كَانَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا مَوْجُودًا، وَكَذَلِكَ لا تجب بالعقد والاستماع، لِأَنَّهَا لَوْ مَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَجَبَ لَهَا النَّفَقَةُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَمْتِعْ بِهَا، فَدَلَّ إِذَا لَمْ تَجِبْ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ بِاجْتِمَاعِ الْعَقْدِ وَالتَّمْكِينِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَحْرِيرِ الْعِبَارَةِ عَنْهُ. فَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ تَجِبُ بِالتَّمْكِينِ الْمُسْتَنِدِ إِلَى عَقْدٍ فَجَعَلُوا الْوُجُوبَ مُعَلَّقًا بِالتَّمْكِينِ وَتَقْدِيمَ الْعَقْدِ شَرْطًا فِيهِ وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ: تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَالتَّمْكِينِ، فَجَعَلُوا الْوُجُوبَ مُعَلَّقًا بِالْعَقْدِ وَحُدُوثَ التَّمْكِينِ شَرْطًا فِيهِ، وَتَأْثِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ يَكُونُ فِي زَمَانِ التَّأْنِيثِ لِلتَّمْكِينِ هَلْ تَسْتَحِقُّ فِيهِ النَّفَقَةَ أَمْ لَا. فَمَنْ جَعَلَ التَّمْكِينَ فِي الْوُجُوبِ أَصْلًا وَجَعَلَ تَقَدُّمَ الْعَقْدِ شَرْطًا لَمْ يُوجِبْ لَهَا النَّفَقَةَ فِي زَمَانِ التَّأْنِيثِ وَأَوْجَبَهَا بِكَمَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>