للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل: حكم بيع النبات]

فَأَمَّا النَّبَاتُ فَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ سُمًّا قَاتِلًا فَبِيعُهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ مِنْ مَنْفَعَةٍ إِمَّا بِأَكْلٍ أَوْ عُلُوفَةٍ أَوْ وَقُودٍ. وَأَمَّا السُّمُّ فَإِنْ كَانَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ تَدَاوِيًا كَالسَّقَمُونِيَا وَمَا فِي مَعْنَاهُ جَازَ بَيْعُهُ.

وَأَمَّا مَا لَا يُسْتَعْمَلُ تَدَاوِيًا بِحَالٍ فَضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقْتُلَ يَسِيرُهُ وَكَثِيرُهُ مُنْفَرِدًا وَمَعَ غَيْرِهِ فَبَيْعُهُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْمَنْفَعَةِ فِيهِ فَيَصِيرُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَقْتُلَ كَثِيرُهُ وَلَا يَقْتُلُ قَلِيلُهُ أَوْ يَقْتُلَ مَعَ غَيْرِهِ وَلَا يَقْتُلُ بِانْفِرَادِهِ فَقَدْ عَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ فِي بَيْعِهِ فَخَرَّجَهُ أَصْحَابُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: بَيْعُهُ بَاطِلٌ كَالَّذِي قَبْلَهُ.

وَالثَّانِي: بَيْعُهُ جَائِزٌ لِقُصُورِهِ عَنْ حَالِ الْأَوَّلِ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَوَّزَ بَيْعَ قَلِيلِهِ الَّذِي لَا يَقْتُلُ وَمَنَعَ مِنْ بَيْعِ كَثِيرِهِ الَّذِي يَقْتُلُ. وَهَذَا الْقَوْلُ لَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ بَيْعُهُ لَمْ يَكُنْ جَوَازَ بَيْعِهِ مَوْقُوفًا عَلَى قَدْرٍ مِنْهُ كَالْمَأْكُولَاتِ، وَكُلُّ جِنْسٍ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ لَمْ يَكُنْ بُطْلَانُ بَيْعِهِ مَوْقُوفًا عَلَى قَدْرٍ مِنْهُ كَالنَّجَاسَاتِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[فصل: كم بيع النجاسات]

فَأَمَّا النَّجَاسَاتُ فَضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا كَانَتْ عَيْنُهُ نَجِسَةٌ.

وَالثَّانِي: مَا طَرَأَتْ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ وَجَاوَرَتْهُ.

فَأَمَّا مَا كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ كَالْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْأَرْوَاثِ وَالْأَبْوَالِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا.

وَجَوَّزَ أبو حنيفة بَيْعَ جِلْدِ الْمَيْتَةِ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَجَوَّزَ أَيْضًا بَيْعَ السِّرْجِينِ وَرَوْثِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُ فِعْلُ الْأَمْصَارِ فِي سَالِفِ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ، فَلَوْلَا إِبَاحَتُهُ بِاتِّفَاقِهِمْ لَأَنْكَرُوهُ أَوْ بَعْضُهُمْ.

وَلِأَنَّ مَا جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ جَازَ بَيْعُهُ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ.

وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ ثَلَاثًا إِنَ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الشُحُومَ فَبَاعُوهَا فَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ شَيْئًا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ ".

وَلِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ كَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَلِأَنَّهُ رَجِيعُ نَجِسٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ كالعذرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>