للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ عُلِّقَ بِمَشِيئَةٍ مِنْ لَهُ مَشِيئَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَقَعَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهَا، أَصْلُهُ إِذَا عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ زَيْدٍ، وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ صَحِيحَةٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَقَعَ قَبْلَ وُجُودِهَا، أَصْلُهُ إِذَا عَلَّقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ، وَلِأَنَّ كُلَّ يَمِينٍ لَوْ عَلَّقَهَا بِمَشِيئَةِ آدَمِيٍّ، لَمْ تَقَعْ قَبْلَ الْعِلْمِ، بِهَا، وَجَبَ إِذَا عَلَّقَهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ أَنْ لَا تَقَعَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهَا كَالْيَمِينِ بِاللَّهِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا ارْتَفَعَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ حُكْمُ الْيَمِينِ بِاللَّهِ، مَعَ عِظَمِ حُرْمَتِهَا كَانَ رَفْعُ مَا دُونَهُ فِي الْحُرْمَةِ مِنَ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ أَوْلَى.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ خَبَرِهِمْ فَهُوَ أَنَّ خَبَرَنَا أَعَمُّ وَأَزْيَدُ فَكَانَ قَاضِيًا عَلَى الْأَخَصِّ الْأَنْقَصِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ كَالْكَفَّارَةِ فِي رَفْعِ الْيَمِينِ بِهِمَا، فَهُوَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ رَافِعٌ لِلْيَمِينِ وَالْكَفَّارَةَ غَيْرُ رَافِعَةٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَمْنَعُ مِنَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ، وَالْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ إِلَّا بِالْحِنْثِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَافْتَرَقَا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى تَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِصُعُودِ السَّمَاءِ، فَهُوَ أَنَّ أَصْحَابَنَا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي وُقُوعِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطٍ لَمْ يُوجَدْ فَأَشْبَهَ غَيْرَهُ مِنَ الشُّرُوطِ التي تُوجَدُ، أَلَا تَرَاهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ زَيْدٌ، وَزَيْدٌ مَيِّتٌ لَمْ تُطَلَّقْ، وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا بِشَرْطٍ لَمْ يُوجَدْ فَعَلَى هَذَا يَبْطُلُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ وَالشَّرْطَ يُلْغَى؛ لِاسْتِحَالَتِهِ، وَأَنَّهُ فِي الْكَلَامِ لَغْوٌ، وَلَيْسَتْ مَشِيئَةُ اللَّهِ مُسْتَحِيلٌ وَلَا الْكَلَامُ بِهَا لَغْوٌ، بَلْ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تعالى بها وندب إليها بقول تَعَالَى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غداً إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٣، ٢٤] .

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ إِجْرَاءَ الطَّلَاقِ عَلَى لِسَانِهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى إرادة إجرائه، ولليس بِدَلِيلٍ عَلَى إِرَادَةِ إِيقَاعِهِ، ثُمَّ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فِي الْيَمِينِ بِاللَّهِ إِذَا عَلَّقَهَا بِصُعُودِ السَّمَاءِ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَأَضْرِبَنَّكِ إِنْ صَعِدْتِ السَّمَاءَ، فإنها لا يلزم وَإِنْ قُيِّدَتْ بِشَرْطٍ مُسْتَحِيلٍ.

(فَصْلٌ:)

وَأَمَّا أَحْمَدُ فَاسْتَدَلَّ عَلَى وُقُوعِ الْعِتْقِ دُونَ الطَّلَاقِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لَمْ يُرِدْهُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ) ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَقَعْ وَالْعِتْقُ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ وَمُرِيدٌ لَهُ، فَدَلَّ عَلَى وُقُوعِهِ بِمَا رَوَاهُ أَصْحَابُهُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مَالِكٍ اللَّخْمِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>