[باب كراء الإبل وغيرها]
[مسألة]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَكِرَاءُ الْإِبِلِ جائزٌ لِلْمَحَامِلِ وَالزَّوَامِلِ وَالرِّجَالِ وَكَذَلِكَ الدَّوَابُّ لِلسُّرُوجِ وَالْأَكُفِّ وَالْحَمُولَةِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: ذَكَرَ الشافعي في الإجارات ثلاثة كتب:
أحدهما: إِجَارَةُ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَقَدْ مَضَى.
وَالثَّانِي: إِجَارَةُ الْإِبِلِ وَالْبَهَائِمِ وَهُوَ هَذَا.
وَالثَّالِثُ: تَضْمِينُ الْأُجَرَاءِ ويأتي. ورووا وَإِجَارَةُ الْبَهَائِمِ جَائِزَةٌ لِرِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ إِنِّي رجلٌ أُكْرِي إِبِلِي أَفَتُجْزِئُ عَنِّي مِنْ حَجَّتِي فَقَالَ: أَلَسْتَ تُلَبِّي وَتَقِفُ وَتَرْمِي؟ قُلْتُ بَلَى. قَالَ ابْنُ عُمَرَ سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عما سألتني عنه فلم يجبه حتى أنزل اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) {البقرة: ١٩٨) وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْخَيْلَ وَالبِغَالَ وَالحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا) {النحل: ٨) فكان عَلَى عُمُومِ الْإِبَاحَةِ فِي رُكُوبِهَا بِالْمِلْكِ وَالْإِجَارَةِ ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدْ شَاهَدَ النَّاسَ عَلَى هَذَا فَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ فَصَارَ شَرْعَا.
وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ قَدْ عَمِلَتِ بِهِ وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ فَصَارَ إِجْمَاعًا وَلِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَاعِيَةٌ إِلَيْهِ وَالْحَاجَةَ بَاعِثَةٌ عَلَيْهِ فَكَانَ مُبَاحًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: " فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَالْحَيَوَانُ ضَرْبَانِ: مُنْتَفَعٌ بِهِ وَغَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ فَمَا كَانَ غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهِ لَمْ تَجُزْ إِجَارَتُهُ لِعَدَمِ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي يَتَوَجَّهُ الْعَقْدُ إِلَيْهَا وَمَا كَانَ مُنْتَفَعًا بِهِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أحدهما: ما كانت منفعته أعياناً كالدور وَالنَّسْلِ فَإِجَارَتُهُ لَا تَجُوزُ كَمَا لَا تَجُوزُ فِي النَّخْلِ وَالشَّجَرِ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ يُمْكِنُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا بَعْدَ حُدُوثِهَا فَلَمْ يَجُزْ قَبْلَهُ بِخِلَافِ مَنَافِعِ الْآثَارِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا كَانَتْ مَنْفَعَتُهُ آثَارًا وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ظَهْرٌ وَعَمَلٌ. فَأَمَّا الظَّهْرُ فَكَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْإِبِلِ وَبَعْضِ الْبَقَرِ فَإِجَارَةُ ظَهْرِهَا جَائِزَةٌ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمُولَةِ عَلَى مَا سَنَصِفُهُ.
وَأَمَّا الْعَمَلُ فَكَالْحَرْثِ وَإِدَارَةِ الدَّوَالِيبِ وَالِاصْطِيَادِ فَإِجَارَةُ عَمَلِهَا جَائِزَةٌ وَسَوَاءٌ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute