للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ فِيهِ عُرْفٌ غَالِبٌ فَكَانَتْ عَادَتُهُمْ تَسْتَوِي فِي كَيْلِهِ وَوَزْنِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: تُبَاعُ وَزْنًا لِأَنَّ الْوَزْنَ أَخَصُّ.

وَالثَّانِي: تُبَاعُ كَيْلًا لِأَنَّ الْكَيْلَ فِي الْمَأْكُولَاتِ نَصٌّ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِأَشْبَهِ الْأَشْيَاءِ بِهِ مِمَّا عُرِفَ حَالُهُ عَلَى عَهْدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَيُلْحَقُ بِهِ. لِأَنَّ الْأَشْبَاهَ مُتَقَارِبَةٌ.

وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ بَيْنَ الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ لِاسْتِوَاءِ الْعُرْفِ فيه.

[فصل:]

إذا كَانَتْ ضَيْعَةٌ أَوْ قَرْيَةٌ يَتَسَاوَى طَعَامُهَا فِي الكيل والوزن، لا يَفْضُلُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ بِمَا قَدْ عُرِفَ مِنْ حَالِهِ أَنَّ التَّمَاثُلَ فِيهِ بِالْكَيْلِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا.

هَلْ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَزْنًا. عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ النَّصِّ وَتَغْيِيرِ الْعُرْفِ.

وَالثَّانِي: يَجُوزُ وَيَكُونُ الْوَزْنُ فِيهِ نَائِبًا عَنِ الْكَيْلِ لِلْعِلْمِ بِمُوَافَقَتِهِ كَمَا كَانَ مِكْيَالُ الْعِرَاقِ نَائِبًا عَنْ مِكْيَالِ الْحِجَازِ لِمُوَافَقَتِهِ فِي الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمَكِيلَيْنِ.

فَصْلٌ:

إِذَا تَبَايَعَا صُبْرَةَ طَعَامٍ بِصُبْرَةِ طَعَامٍ جُزَافًا ثُمَّ كِيلَا مِنْ بَعْدُ فَوُجِدَتَا سَوَاء كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالتَّمَاثُلِ كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ، وَلَوْ تَبَايَعَا عَلَى الْمُكَايَلَةِ وَالْمُمَاثَلَةِ صَحَّ الْبَيْعُ.

فَإِنْ كَانَتَا سَوَاءً لَزِمَ الْعَقْدُ وَلَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَلَوْ فَضَلَتْ إِحْدَى الصُّبْرَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: بُطْلَانُ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الصُّبْرَتَيْنِ مَعَ ظُهُورِ التَّفَاضُلِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: جَوَازُ الْعَقْدِ لِاشْتِرَاطِ التَّمَاثُلِ. فَعَلَى هَذَا يَأْخُذُ صَاحِبُ الْفَضْلِ زِيَادَتَهُ وَيَكُونُ لِصَاحِبِ الصُّبْرَةِ النَّاقِصَةِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَوْ إِمْضَاءِ الْبَيْعِ بِمِثْلِ صبرته.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بَالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يَكُونُ مُتَفَاضِلًا فِي نَحْوِ ذَلِكَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَالْمَشْهُورُ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي سَائِرِ كُتُبِهِ الَّذِي حَكَاهُ عَنْهُ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ أَنَّ بَيْعَ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ، وَبِهِ قَالَ أبو حنيفة، وَحَكَى الْحُسَيْنُ الْكَرَابِيسِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ جَوَازَ بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ مُتَفَاضِلًا وَجَعَلَهُمَا كَالْجِنْسَيْنِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثور.

<<  <  ج: ص:  >  >>