للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

و (مَتَى) و (إِذَا) بِخِلَافِ تَعْلِيقِهِ بِمَشِيئَةِ الْعَبْدِ الَّتِي يَخْتَلِفُ فِيهَا حُكْمُ (إِنْ) و (مَتَى) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ تَعْلِيقَهُ بِمَشِيئَةِ زِيدٍ صِفَةٌ يُعْتَبَرُ بِوُجُودِهَا فَاسْتَوَى فِيهَا قَرِيبُ الزَّمَانِ وَبَعِيدُهُ، وَتَعْلِيقُهُ بِمَشِيئَةِ الْعَبْدِ تَمْلِيكٌ وَتَخْيِيرٌ، فَافْتَرَقَ فِيهِ حُكْمُ قَرِيبِ الزَّمَانِ وَبَعِيدِهِ. فَإِنْ أَخَّرَ زَيْدٌ الْمَشِيئَةَ حَتَّى مَاتَ السَّيِّدُ، ثُمَّ شَاءَ لَمْ يَنْعَقِدِ التَّدْبِيرُ، وَكَانَ الْعَبْدُ عَلَى رِقِّهِ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ، لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالصِّفَةِ هُوَ شَرْطٌ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَشْرُوطِ.

مَسْأَلَةٌ

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ قَالَ إِذَا مُتُّ فَشِئْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ إِذَا مُتُّ إِنْ شِئْتَ فَسَوَاءٌ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ أَوْ أَخَّرَهَا لَا يَكُونُ حُرًّا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا عِتْقٌ بِصِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِذَا قَالَ: إِذَا مُتُّ فَشِئْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ، اعْتُبِرَتْ مَشِيئَتُهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا تَأْثِيرٌ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَمَشِيئَتُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ مُعْتَبَرَةٌ بِالْفَوْرِ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي عُلِمَ فِيهِ بِمَوْتِهِ، وَهَلْ تَكُونُ مَشِيئَةَ قَبُولٍ، أَوْ مَشِيئَةَ تَخْيِيرٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ، وَلَا يَكُونُ هَذَا تَدْبِيرًا، وَإِنْ كَانَ الْمَوْتُ شَرْطًا فِي عِتْقِهِ، لِأَنَّ التَّدْبِيرَ هُوَ الْعِتْقُ الْوَاقِعُ بِالْمَوْتِ، وَهَذَا عِتْقٌ يَقَعُ بِصِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إِذَا مُتُّ إِنْ شِئْتَ، كَانَ عِتْقًا بِصِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ تُعْتَبَرُ مَشِيئَةُ الْعَبْدِ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ عَلَى الْفَوْرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ، فَلَوْ شَاءَ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: مِنِ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ (وَسَوَاءٌ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ، أَوْ أَخَّرَهَا) ، فَذَهَبَ الْبَغْدَادِيُّونَ إِلَى أَنَّهُ أَرَادَ سَوَاءٌ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ قَبْلَ الْمَوْتِ، أَوْ أَخَّرَهَا. بِخِلَافِ قَوْلِهِ: إِذَا مُتُّ فَشِئْتَ، لِأَنَّ (الْفَاءَ) فِي الْمَشِيئَةِ تُوجِبُ التَّعْقِيبَ فَعَلَى هَذَا يُعْتَقُ، إِذَا شَاءَ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ، وَيَكُونُ هَذَا تَدْبِيرًا وَلَوْ لَمْ يَشَأْ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ، عَتَقَ وَكَانَ عِتْقًا بِصِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ وَذَهَبَ الْبَصْرِيُّونَ إِلَى أَنَّهُ أَرَادَ، سَوَاءٌ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ فِي لَفْظِهِ أَوْ أَخَّرَهَا وَتَكُونُ مَشِيئَةً مُعْتَبَرَةً بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَا تَأْثِيرَ لَهَا قَبْلَ الْمَوْتِ فَإِنْ شَاءَ بَعْدَ الْمَوْتِ عَتَقَ، وَإِلَّا رَقَّ لِلْوَرَثَةِ.

وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ إِذَا مُتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ مَتَى شِئْتَ كَانَتْ مَشِيئَتُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى التَّرَاخِي مُمْتَدَّةً، إِلَى أَنْ يَشْرَعَ الْوَرَثَةُ فِي تَنْفِيذِ الْوَصَايَا، وَقِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ، فَتَصِيرُ مَشِيئَتُهُ عَلَى الْفَوْرِ مُعْتَبَرَةً بِجَوَابِ التَّخْيِيرِ وَجْهًا وَاحِدًا، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ فَوْرَ الْقَبُولِ. فَمَتَى شَاءَ فِي مَجْلِسٍ تَخَيُّرِهِ، عَتَقَ وَإِلَّا رَقَّ إِنْ أَخَّرَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْفَرْقِ بين (متى) و (وإن) .

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ قَالَ شَرِيكَانِ فِي عَبْدٍ مَتَّى مُتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ يُعْتَقْ إِلَّا بِمَوْتِ الْآخَرِ مِنْهُمَا) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ التَّدْبِيرَ يَصِحُّ فِي الْعَبْدِ كُلِّهِ، وَفِي بَعْضِهِ مِنْ مَالِكِ الْكُلِّ، وَمَالِكِ الْبَعْضِ، فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لَعَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ: إِذَا مُتُّ فَأَنْتَ حر، عتق

<<  <  ج: ص:  >  >>