للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَشْهُرٍ لَمْ يَقَعْ قَبْلَهَا وَلَيْسَ الْإِيلَاءُ عِنْدَهُمْ كذلك والله أعلم.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: (ولي المولى مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ يَلْزَمُهُ بِهَا كَفَّارَةٌ وَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نِفْسِهِ شَيْئًا يَجِبُ عَلَيْهِ إِذَا أَوْجَبَهُ فَأَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ إِنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمُولِي) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِيلَاءَ يَمِينٌ يَحْلِفُهُ بِهَا عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْئِهَا، فَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْيَمِينَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالْحِنْثِ فِيهَا شَيْءٌ كَالْيَمِينِ بِالْمَخْلُوقَاتِ كَالْأَنْبِيَاءِ، وَالْمَلَائِكَةِ وَالسَّمَاءِ وَالْعَرْشِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا، لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ حُكْمِ الْأَيْمَانِ فَخَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْإِيلَاءِ، وَإِنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْحِنْثُ فِي يَمِينِهِ شَيْئًا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ يَمِينُهُ بِاللَّهِ تَعَالَى: أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ، أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ يَجِبُ عليه بالحنث فيها كفارة فهذا مولى يُؤْخَذُ بِحُكْمِ الْإِيلَاءِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ بِالْعِتْقِ، أَوِ الطَّلَاقِ، أَوِ الصَّدَقَةِ، أَوِ الصِّيَامِ كَأَنْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ عَمْرَةُ طَالِقٌ لِزَوْجَةٍ لَهُ أُخْرَى أَوْ مَالِي صَدَقَةٌ أَوْ عَلَيَّ الْحَجُّ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، أَوْ صِيَامُ يَوْمٍ أَوْ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، أَوِ اعْتِكَافُ شَهْرٍ إِلَى مَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى مِنَ الْأَيْمَانِ الَّتِي إِذَا حَنِثَ فِيهَا لَزِمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لَهُ فَيَكُونُ حَالِفًا وَهَلْ يَصِيرُ بِهَذَا الْحَلِفِ مُولِيًا يُؤْخَذُ بِحُكْمِ الْإِيلَاءِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ لَا يَكُونُ مُولِيًا مَا لَمْ يَحْلِفْ بِاللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٤] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٥٥] يَعْنِي بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: ٢٢٦] فَعَطَفَ بِهِ عَلَى الْيَمِينِ بِاللَّهِ فَاقْتَضَى أَنْ لَا يَكُونُ مُولِيًا إِلَّا بِهِ؛ وَلِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَيْمَانِ مَحْمُولَةٌ عُرْفًا وَشَرْعًا عَلَى الْيَمِينِ بِاللَّهِ، أَمَّا الْعُرْفُ فَلِأَنَّهُ إِذَا قِيلَ فُلَانٌ قَدْ حَلَفَ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ إِلَّا الْحَلِفَ بِاللَّهِ إِلَّا أَنْ يُقَيِّدَ فَيُقَالُ حَلَفَ بِالْعِتْقِ أَوِ الطَّلَاقِ، وَأَمَّا الشَّرْعُ فَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ فَلْيَصْمُتْ) فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِطْلَاقُ الْإِيلَاءِ مَحْمُولًا عَلَى هَذَا الْمَعْهُودِ مِنْ عُرْفٍ، أَوْ شَرْعٍ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ٢٢٦] وَغُفْرَانُ الْمَأْثَمِ يَتَوَجَّهُ إِلَى الْأَيْمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى دُونَ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>