فِيهَا شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ، وَشَاهِدٌ وَيَمِينٌ، كَالْأَمْوَالِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَالٌ وَالَّذِي لَا قِصَاصَ فِيهِ مِنَ الْجِنَايَاتِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: الْخَطَأُ الْمَحْضُ مِمَّنْ كَانَ وَعَلَى مَنْ كَانَ.
وَالثَّانِي: عَمْدُ الْخَطَأِ، لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْخَطَأِ إِلَّا فِي تَقْسِيطِ الدِّيَةِ فِيهِ وَتَخْفِيفِهَا.
وَالثَّالِثُ: الْعَمْدُ الَّذِي يَسْقُطُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أضرب:
أحدهما: مَا سَقَطَ لِمَعْنًى فِي الْجَانِي، كَجِنَايَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. وَجِنَايَةِ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ.
وَالثَّانِي: مَا سَقَطَ لِمَعْنًى فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَجِنَايَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى كَافِرٍ، وَجِنَايَةِ الْحُرِّ عَلَى عَبْدٍ.
وَالثَّالِثُ: مَا سَقَطَ لِمَعْنًى فِي الْجِنَايَةِ كَالْجَائِفَةِ فَيُقْبَلُ فِي جَمِيعِ هَذَا كُلِّهِ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ وَشَاهِدٌ وَيَمِينٌ وَسَوَاءٌ كَانَتْ فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ أَوْ جُرْحٍ، فَإِنْ صَارَتِ الْجَائِفَةُ نَفَسًا لَمْ يُقْبَلْ فِيهَا إِلَّا شَاهِدَانِ، لِأَنَّهَا صَارَتْ مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ.
(فَصْلٌ)
فَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَقَالَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ: لَسْتُ أَقْتَصُّ فَاسْمَعُوا مني شاهداً وامرأتين، ولم يُقْبَلْ، لِأَنَّ قَوْلَهُ لَسْتُ أَقْتَصُّ مَوْعِدٌ بِالْعَفْوِ وَلَيْسَ بِعَفْوٍ وَإِنْ قَالَ: قَدْ عَفَوْتُ عَنِ الْقِصَاصِ فَاسْمَعُوا شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ وَشَاهِدٌ وَيَمِينٌ، لِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَ شَاهِدَيْنَ بَعْدَ عَفْوِهِ، قَبْلَ الشَّهَادَةِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِالْقِصَاصِ.
وَقَالَ: بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا أَقْبَلُ مِنْهُ وَإِنْ صَرَّحَ بِالْعَفْوِ إِلَّا شَاهِدَيْنِ، لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ مَا أَوْجَبَ الْقِصَاصَ نَوْعٌ لَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ.
وَالثَّانِي: إِنَّهُ عَفْوٌ مِنْهُ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ لِلْقِصَاصِ وَكِلَا التَّعْلِيلَيْنِ خَطَأٌ، لِأَنَّ الْعَفْوَ يُخْرِجُهُ مِنْ نَوْعِ الْقِصَاصِ، فَبَطَلَ التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ، وَالْعَفْوُ قَبْلَ الْبَيِّنَةِ عَفْوٌ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ الْقِصَاصِ، لِأَنَّهُ يُسْتَحَقُّ بِالْجِنَايَةِ لَا بِالْبَيِّنَةِ فَبَطَلَ التَّعْلِيلُ الثَّانِي.
(مَسْأَلَةٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " فَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ هَاشِمَةً أَوْ مَأْمُومَةً لَمْ أَقْبَلْ أَقَلَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ لِأَنَّ الَّذِي شُجَّ إِنْ أَرَادَ أَنْ آخُذَ لَهُ الْقِصَاصَ مِنْ مُوضِحَةٍ فَعَلْتُ لِأَنَّهَا مُوضِحَةٌ وَزِيَادَةٌ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا دُونَ الْمُوضِحَةِ مِنْ شِجَاجِ الرَّأْسِ فَيُقْبَلُ فِيهِ عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ، وَشَاهِدٌ وَيَمِينٌ، لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي عَمْدِهِ، وَأَمَّا الْمُوضِحَةُ فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا