وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَبِهِ قَالَ أبو حنيفة: عَلَيْهِ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ لِأَنَّ الْعَاشِرَ حَدٌّ خَارِجٌ عَنِ الْمَحْدُودِ وَالْأَوَّلُ مُبْتَدَأٌ بِهِ فَدَخَلَ فِي الْمَحْدُودِ إذ دخل. وَقَالَ محمد بن الحسن: يَلْزَمُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فيه لعاشر مَعَ كَوْنِهِ حَدًّا وَهَذَا مَذْهَبٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَةٌ
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ يَوْمَ السَّبْتِ بِدِرْهَمٍ وَأَقَرَّ لَهُ يَوْمَ الْأَحَدِ بدرهمٍ فَهُوَ درهمٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. إِذَا أَقَرَّ بِدِرْهَمٍ دُفْعَتَيْنِ فَهُوَ إِقْرَارٌ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ مَا لَمْ يُخَالِفْ بَيْنَ صِفَتَيْهِمَا أَوْ سَبَبَيْهِمَا.
وَقَالَ أبو حنيفة: إِذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ فِي مَجْلِسِ حُكْمٍ فَهُوَ إِقْرَارٌ بِدِرْهَمَيْنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَكْتُوبًا فِي صَكٍّ فَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا دِرْهَمٌ وَاحِدٌ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ لَفْظَ الْإِقْرَارِ وَالطَّلَاقِ يَشْتَرِكَانِ فِي حُكْمِ اللُّزُومِ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا فِي يَوْمِ السَّبْتِ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ: أَنْتِ طَالِقٌ، لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ، هَذَا إِذَا أَقَرَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْهُمَا بِدِرْهَمٍ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ وَلِأَنَّ إِعَادَةَ الْإِقْرَارِ فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ أَغْلَظُ حُكْمًا مِنْ تَكْرَارِ اللَّفْظِ فِي الْمَجْلِسِ فَلَمَّا كَانَ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ، فَإِذَا أَعَادَ الْإِقْرَارَ فِي وَقْتَيْنِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَلْزَمَهُ دِرْهَمَانِ.
وَدَلِيلُنَا مَفْهُومُ الْخِطَابِ لِسَانًا ثُمَّ مُقْتَضَى الشَّرْعِ حِجَاجًا، فَأَمَّا مَفْهُومُ الْخِطَابِ فِي اللُّغَةِ وَاللِّسَانِ فَهُوَ أَنَّ الْإِقْرَارَ إِخْبَارٌ وَتَكْرَارُ الْخَبَرِ لَا يُوجِبُ تَكْرَارَ الْمُخْبَرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: رَأَيْتُ زَيْدًا، ثُمَّ قَالَ ثَانِيَةً: رَأَيْتُ زَيْدًا لَمْ يَقْتَضِ مَفْهُومُ كَلَامِهِ تَكْرَارَ رُؤْيَةٍ لِزَيْدٍ فَكَذَلِكَ مُوجِبُ إِقْرَارِهِ.
وَأَمَّا مُقْتَضَى الشَّرْعِ حِجَاجًا فَهُوَ أَنَّ تَكْرَارَ الْإِقْرَارِ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ أَوْكَدُ لُزُومًا مِنْ تَكْرَارِهِ فِي مَجْلِسَيْنِ فَلَمَّا لَمْ يَتَضَاعَفِ الْإِقْرَارُ بِتَكْرَارِهِ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَتَضَاعَفَ فِي الْمَجْلِسَيْنِ، وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا: أَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يَتَكَرَّرْ عَلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَتَكَرَّرْ عَلَيْهِ فِي الْمَجْلِسَيْنِ كَالْمَكْتُوبِ فِي صَكٍّ، وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمُجْمَلِ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ لَا يُوجِبُ مُضَاعَفَةَ الْإِقْرَارِ بِشَيْئَيْنِ وَإِعَادَتِهِ الْمُفَسَّرَ عِنْدَ الشُّهُودِ لَا يَصِيرُ إِقْرَارًا بِحَقَّيْنِ فَكَذَا الْمُفَسَّرُ عِنْدَ الْحَاكِمِ.
وَيَتَحَرَّرُ فِيهِ قِيَاسَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إِقْرَارٌ لَا يَتَكَرَّرُ بِالْمُجْمَلِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَكَرَّرَ بِالْمُفَسَّرِ كَالْإِقْرَارِ عِنْدَ الشُّهُودِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute