وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ قَامَ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي سُقُوطِ الْمُطَالَبَةِ لَقَامَ مَقَامَهُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ.
وَدَلِيلُنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ٢٢٦] وَالْفَيْئَةُ الرُّجُوعُ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ رُجُوعٍ بِالْقَوْلِ أَوْ رُجُوعٍ بِالْفِعْلِ؛ وَلِأَنَّ الْفَيْئَةَ تُرَادُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ بِالْإِيلَاءِ وَسُكُونِ النَّفْسِ إِلَى زَوَالِهِ بِهَا وَقَدْ يَرْتَفِعُ الضَّرَرُ وَتَسْكُنُ النَّفْسُ بِقَوْلِ الْعَاجِزِ كَمَا يَرْتَفِعُ بِفِعْلِ الْقَادِرِ وَلِأَنَّ الْفَيْئَةَ تَرْفَعُ الضَّرَرَ كَالشُّفْعَةِ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَحَدِهِمَا يَكُونُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ دَفْعُ الثَّمَنِ وَانْتِزَاعُ الْمَبِيعِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا كَانَتِ الْمُطَالَبَةُ فِيهَا بِالْقَوْلِ وَهُوَ الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِهِ بِالطَّلَبِ كَذَلِكَ الْفَيْئَةُ فِي الْإِيلَاءِ.
فَأَمَّا اسْتِدْلَالُ أَبِي ثَوْرٍ بِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ لَوْ سَقَطَتْ بِفَيْءِ اللِّسَانِ لَمَا وَجَبَتْ لِزَوَالِ الْعُذْرِ، فَفَاسِدٌ بِالْمُطَالَبَةِ بِالشُّفْعَةِ تَكُونُ بِالْقَوْلِ مَعَ الْعَجْزِ وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الطَّلَبِ بِالْفِعْلِ عِنْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ وَنَحْنُ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ أَنْ يُصَلِّيَ، وَلَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ إِذَا قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ إِحْدَى الطِّهَارَتَيْنِ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ تَجِبْ بِهِ الْكَفَّارَةُ لَمْ تَسْقُطْ بِهِ الْمُطَالَبَةُ فَفَاسِدٌ، لِأَنَّ الْفَيْئَةَ غيره مُعْتَبَرَةٍ بِوُجُوبٍ بِالْكَفَّارَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَجْنُونَ يَفِيءُ فَتَسْقُطُ الْمُطَالَبَةُ وَتَصِحُّ الْفَيْئَةُ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.
(فَصْلٌ:)
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْفَيْئَةَ بِاللِّسَانِ تُسْقِطُ الْمُطَالَبَةَ فِي حَالِ الْعُذْرِ، فَإِذَا زَالَ الْعُذْرُ سَقَطَ حُكْمُ الْفَيْئَةِ بِاللِّسَانِ وَلَزِمَهُ أَنْ يَفِيءَ بِالْجِمَاعِ كَالشَّفِيعِ إِذَا أَشْهَدَ بِالطَّلَبِ فِي الْغَيْبَةِ ثُمَّ حَضَرَ جَدَّدَ الْمُطَالَبَةَ بِدَفْعِ الثَّمَنِ وَانْتِزَاعِ الْمَبِيعِ وَيَصِيرُ كَالْمُبْتَدِئِ بِالْعِلْمِ فِي الْحُضُورِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَفِيءَ بِالْوَطْءِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ بَعْدَ أَنْ فَاءَ بِلِسَانِهِ فِي حَالِ الْعَجْزِ: لِأَنَّ مَا كَانَ فَيْئَةً فِي الْإِيلَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ إِعَادَةُ فَيْئَةِ كالوطء.
دليلنا مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الشُّفْعَةِ هُوَ أَنَّ الْوَطْءَ حَقٌّ ثَبَتَ لَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْعَجْزِ حُكْمُ الْقُدْرَةِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ؛ وَلِأَنَّ مَا لَمْ يَحْنَثْ بِهِ فِي الْإِيلَاءِ لَمْ يَسْقُطْ بِهِ الْوَطْءُ الْمُسْتَحَقُّ فِي الْإِيلَاءِ كَالْقُبْلَةِ؛ وَلِأَنَّ فَيْئَةَ اللِّسَانِ لَا تَتِمُّ إِلَّا أَنْ يَعِدَ فِيهَا بِالْوَطْءِ مَعَ الْقُدْرَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْقُطَ بِهَا فَوَجَبَ وَعْدُهُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ والله أعلم.
[(مسألة:)]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ جَامَعَ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ خَرَجَ مِنْ حُكْمِ الْإِيلَاءِ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا إِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ أربعة اشهر فليس بمول ومتى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute