اضطررت الْمُعْتَدَّةُ إِلَى اسْتِعْمَالِ كُحْلِ الزِّينَةِ لِمَرَضٍ بِعَيْنِهَا اسْتَعْمَلَتْهُ لَيْلًا وَمَسَحَتْهُ نَهَارًا؛ رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَنَا حَادَّةٌ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ، وَقَدْ جَعَلْتُ عَلَى عَيْنِي صَبِرًا، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ: إِنَّمَا هُوَ صَبِرٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ قَالَ: إِنَّهُ يُشِبُّ الْوَجْهُ فَلَا تَجْعَلِيهِ إِلَّا بِاللَّيْلِ وَتَنْزِعِيهِ بالنهار.
[(مسألة)]
قال الشافعي: " وَكَذَلِكَ الدِّمَامُ دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ حَادٌّ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ " مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ؟ " فَقَالَتْ إِنَّمَا هُوَ صَبْرٌ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ " اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار " (قال الشافعي) الصبر يصفر فيكون زينة وليس بطيب فأذن لها فيه بالليل حيث لا يرى وتمسحه بالنهار حيث يرى وكذلك ما أشبهه ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالدِّمَامُ هُوَ مَا يُغْشَى بِهِ الْجَسَدُ، ويُطْلَى عَلَيْهِ حَتَّى يُغَيِّرَ لَوْنَهُ وَيُحَسِّنَهُ كاسفيذاج العرائس الذي يبيض اللَّوْنَ، وَكَالْحُمْرَةِ الَّتِي يُوَرَّدُ بِهَا الْخَدُّ وَالْوَجْهُ، فَهُوَ مَحْظُورٌ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ فِي الْإِحْدَادِ كَالصَّبْرِ الَّذِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أُمَّ سَلَمَةَ عَنْهُ سُمِّيَ دِمَامًا مِنْ قَوْلِهِمْ قِدْرٌ مَدْمُومَةٌ إِذَا طَلَى عَلَيْهَا الْكَلْكُونَ أَوْ نَحْوَهُ، فَهَذَا مِمَّا يُمْنَعُ مِنْهُ الْمُعْتَدَّةُ فِي الْإِحْدَادِ؛ لِأَنَّهُ زِينَةٌ، وَلَا تُمْنَعُ مِنْهُ الْمُحْرِمَةَ، لأنه لا يزل الشَّعَثَ، وَهَكَذَا الْخِضَابُ تُمْنَعُ مِنْهُ بِالْحِنَّاءِ أَوِ الْكَتَمِ سَوَاءٌ تُرِكَ عَلَى حُمْرَتِهِ أَوْ غُيِّرَ حَتَّى اسْوَدَّ لِأَنَّهُمَا مَعًا زِينَةٌ وَتَحْصِينٌ.
رَوَتْ أم سلمة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: نَهَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَنْ تَكْتَحِلَ أَوْ تَخْتَضِبَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ لَوْنٍ طُلِيَ بِهِ الْجَسَدُ فحسنه منعت منه المعتدة في إحدادها؛ لأن لا يَدْعُوَ شَهْوَةَ الرِّجَالِ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ إِلَّا التَّصَنُّعَ لَهُمْ بِالزِّينَةِ، فَإِنِ اسْتَعْمَلَتْهُ فِيمَا خَفِيَ مِنْ جَسَدِهَا وَوَارَتْهُ ثِيَابُهَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَذِنَ لِأُمِّ سَلَمَةَ فِي الصَّبْرِ لَيْلًا وَنَهَاهَا عَنْهُ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ يَخْفَى بِاللَّيْلِ عَنِ الْأَبْصَارِ وَيُرَى فِي النَّهَارِ فَكَذَلِكَ مَا أَخْفَاهُ ثِيَابُهَا وَلَمْ تَرَهُ الْأَبْصَارُ غَيْرَ أَنَّهَا إِنْ فَعَلَتْهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ كُرِهَ فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ لَمْ يُكْرَهْ.
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا الطِّيبُ فَتُمْنَعُ الْمُعْتَدَّةُ فِي إحداها مِنِ اسْتِعْمَالِ جَمِيعِهِ مِنْ ذِي لَوْنٍ فِي بَخُورٍ وَطَلْيٍ؛ لِأَنَّهُ زِينَةٌ، وَلِأَنَّهُ يُحَرِّكُ الشَّهْوَةَ، وَيَسْتَوِي فِي حَظْرِهِ الْمُعْتَدَّةُ وَالْمُحْرِمَةُ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ شَعَثَ الْمُحْرِمَةِ، وَيُحْدِثُ الزِّينَةَ فِي الْمُعْتَدَّةِ فَإِنْ أَرَادَتِ الْمُعْتَدَّةُ أَنْ تَتَطَيَّبَ فِيمَا خَفِيَ مِنْ جَسَدِهَا لَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ الْخِضَابِ، لِأَنَّ الطِّيبَ رَائِحَتُهُ تَظْهَرُ فَتُحَرِّكُ الشَّهْوَةَ بِخِلَافِ الْخِضَابِ وَهَكَذَا لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَتَطَيَّبَ لَيْلًا دُونَ النَّهَارِ ولم يجز لأنه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute