أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ يَسْقُطُ بِشَقِّ الطُّولِ وَيَبْقَى مَعَ شَقِّ الْعَرْضِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ شَقُّهُ عِوَضًا بِأَكْثَرَ مِنْ تَشْرِيخِ آلَةِ الْحَائِطِ وَتَعْيِينِهَا مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ، وَهُوَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فَسَقَطَ لَمْ يَضْمَنْ فَكَانَ أَوْلَى إِذَا بَنَاهُ فَانْشَقَّ عَرْضًا أَنْ لَا يَضْمَنَ، فَأَمَّا الْآيَةُ فَعَنْهَا جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْخَضِرَ إِمَّا نَبِيٌّ مَبْعُوثٌ أَوْ وَلِيٌّ مَخْصُوصٌ عَلَى حَسَبِ الِاخْتِلَافِ فِي نُبُوَّتِهِ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى مَصَالِحِ الْبَوَاطِنِ عَلَى مَا خَالَفَ ظَوَاهِرَهَا وَلِذَلِكَ أَنْكَرَهَا مُوسَى عَلَيْهِ، وَلَوْ سَاغَ فِي الظَّاهِرِ مَا فَعَلَهُ الْخَضِرُ لَمْ يُنْكِرْهُ مُوسَى فَكَانَ فِي إِنْكَارِ مُوسَى فِي الظَّاهِرِ لَنَا دَلِيلٌ، وَإِنْ كَانَ فِي فِعْلِ الْخَضِرِ لِابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي الْبَاطِنِ دَلِيلٌ، وَالْحُكْمُ فِي الشَّرْعِ مُعْتَبَرٌ بِالظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ فَكَانَ دَلِيلُنَا مِنَ الْآيَةِ أَحَجَّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ قَرَأَ عِكْرِمَةُ: " جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَاضَ " وَالْفَرْقَ بَيْنَ يَنْقَضُّ وَيَنْقَاضُ أَنَّ يَنْقَضَّ يَسْقُطُ، وَيَنْقَاضُ يَنْشَقُّ طُولًا، وَانْشِقَاقُ الطُّولِ عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَلَعَلَّ عكرمة تحرز بهذه القرارة مِنْ مِثْلِ قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.
(فَصْلٌ)
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَبْنِيَهُ مَائِلًا فَيَسْقُطُ لِإِمَالَتِهِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَجْعَلَ إِمَالَةَ بِنَائِهِ إِلَى مِلْكِهِ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ إِذَا سَقَطَ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِمِلْكِهِ فِي مِلْكِهِ مَا شَاءَ مِنْ مَخُوفٍ أَوْ غَيْرِ مَخُوفٍ كَحَفْرِ بِئْرٍ، وَارْتِبَاطِ سَبُعٍ، أَوْ تَأْجِيجِ نَارٍ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ مَنْ سَقَطَ عَلَيْهِ بِمَيْلِ الْحَائِطِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، أَنْذَرَهُمْ بِهِ أَوْ لَمْ يُنْذِرْهُمْ، لِأَنَّهُمْ أَقَامُوا تَحْتَهُ بِاخْتِيَارِهِمْ، فَلَوْ رَبَطَ أَحَدُهُمْ تَحْتَهُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِانْصِرَافِ عَنْهُ حَتَّى سَقَطَ عَلَيْهِ نُظِرَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْحَائِطُ مُنْذِرًا بِالسُّقُوطِ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مُنْذِرًا بِالسُّقُوطِ ضَمِنَهُ، لِأَنَّهُ مَخُوفٌ إِذَا أَنْذَرَ وَغَيْرُ مَخُوفٍ إِذَا لَمْ يُنْذِرْ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَجْعَلَ إِمَالَةَ بِنَائِهِ إِلَى غَيْرِ مِلْكِهِ إِمَّا إِلَى طَرِيقٍ سَابِلٍ، وَإِمَّا إِلَى مِلْكٍ مُجَاوِرٍ، فَيَكُونُ بِإِمَالَةِ بِنَائِهِ مُتَعَدِّيًا لِتَصَرُّفِهِ فِي هَوَاءٍ لَا يَمْلِكُهُ، لِأَنَّهُ إِنْ أَمَالَهُ إِلَى مِلْكِ غَيْرِهِ تَعَدَّى عَلَيْهِ، وَإِنْ أَمَالَهُ إِلَى الطَّرِيقِ لَمْ يَسْتَحِقَّ مِنْهُ إِلَّا مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ كَالْجَنَاحِ فَضَمِنَ مَا تَلِفَ بِسُقُوطِهِ مِنْ نُفُوسٍ وَأَمْوَالٍ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنْ يَبْنِيَهُ مُنْتَصِبًا فَيَمِيلَ ثُمَّ يَسْقُطَ بَعْدَ مَيْلِهِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنْ يَمِيلَ إِلَى دَارِهِ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَهُ بِهِ بِسُقُوطِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إِذَا بَنَاهُ مَائِلًا فَكَانَ أَوْلَى أَنْ لَا يَضْمَنَ إِذَا مَالَ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَمِيلَ إِلَى غَيْرِ مِلْكٍ، إِمَّا إِلَى دَارِ جَارِهِ، وَإِمَّا إلى طريق
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute