للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا تَنَاوَلَتْ مِنَ الصَّيْدِ مَا لَهُ مِثْلٌ مِنَ النَّعَمِ دُونَ مَا لَا مِثْلَ لَهُ، وَإِنَّمَا وَجَبَتِ الْقِيمَةُ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ بِالِاسْتِدْلَالِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُنَّةِ وَالْآثَارِ، نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ "، فَلَمْ يَسْلَمِ الِاسْتِدْلَالُ، فَإِنْ حَرَّرُوهُ قِيَاسًا عَلَى الْعُصْفُورِ، فَالْمَعْنَى فِي الْعُصْفُورِ أَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ مِنَ النَّعَمِ؛ فَلِذَلِكَ وَجَبَتْ فِيهِ الْقِيمَةُ، فَأَمَّا مَا لَهُ مِثْلٌ مِنَ النَّعَمِ فَالْوَاجِبُ فِيهِ الْمِثْلُ مِنَ النَّعَمِ دُونَ الْقِيمَةِ، كَمَا أَنَّ أَمْوَالَ الْآدَمِيِّينَ تَجِبُ بِإِتْلَافِ مَا لَهُ مِثْلُ مِثْلِهِ دُونَ قِيمَتِهِ، وَبِإِتْلَافِ مَا لَا مِثْلَ لَهُ الْقِيمَةُ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى أَمْوَالِ الْآدَمِيِّينَ فَبَاطِلٌ بِقَتْلِ الْحَدِّ خَطَأً؛ لِأَنَّهُ لَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ لِسُقُوطِ الْقَوَدِ وَلَا بِالْقَيِّمَةِ لِوُجُوبِ الدِّيَةِ وَلَيْسَتِ الدِّيَةُ قِيمَةً لِكَوْنِهَا إِبِلًا ثُمَّ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ هَذَا الْقَدْحِ وَلَمْ يصح الجميع بَيْنَهُمَا مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرُوا؛ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى يُضْمَنُ بِالْمَالِ وَغَيْرِ الْمَالِ وَهُوَ الصِّيَامُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَقُّ الْآدَمِيِّينَ فَاخْتَلَفَا.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ إِيجَابَ بَدَلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي متلفٍ واحدٍ ممتنع في الأصول.

فالجواب: أَنَّ ذَلِكَ يَمْتَنِعُ فِي الْأُصُولِ إِذَا كَانَتْ جِهَةُ ضَمَانِهَا وَاحِدَةً، فَأَمَّا مَعَ اخْتِلَافِ جِهَةِ ضَمَانِهَا فَلَا يَمْتَنِعُ اخْتِلَافُ الْبَدَلِ فِيهِمَا كَالْقَتْلِ يُضْمَنُ بِبَدَلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ، عَلَى أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْتَنِعْ وُجُوبُ بَدَلَيْنِ فِي متلفٍ واحدٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُخَالَفَةُ الْأُصُولِ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَخْتَلِفَ الْبَدَلَانِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مخالفة الأصول.

[مسألة]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَا أُكِلَ مِنَ الصَّيْدِ صِنْفَانِ دوابٌ وطائرٌ فَمَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ مِنَ الْدَوَابِّ نَظَرَ إِلَى أقرب الأشياء من المقتول شبها من النعم ففدى به وقد حكم عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وغيرهم في بلدانٍ مختلفةٍ وأزمانٍ شتى بالمثل من النعم فحكم حاكمهم في النعامة ببدنةٍ وهي لا تسوي بدنةً وفي حمار الوحش ببقرةٍ وهو لا يسوي بقرةٌ وفي الضبع بكبشٍ وهو لا يسوي كبشاً وفي الغزال بعنزٍ وقد يكون أكثر من ثمنها أضعافاً ودونها ومثلها وفي الأرنب بعناقٍ وفي اليربوع بجفرةٍ وهما لا يساويان عناقاً ولا جفرةً فدل ذلك على أنهم نظروا إلى أقرب ما يقتل من الصيد شبهاً بالبدل من النعم لا بالقيمة ولو حكموا بالقيمة لاختلف لاختلاف الأسعار وتبيانها في الأزمان ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: الْحَيَوَانُ كُلُّهُ ضربان: إنسيٌّ ووحشيٌّ.

فأما الإنسي الأصلي فُحُكْمُ الْمُحْرِمِ فِيهِ كَحُكْمِ الْمُحِلِّ، وَأَمَّا الْوَحْشِيُّ فَضَرْبَانِ مأكولٌ، وَغَيْرُ مَأْكُولٍ.

فَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْكُولِ فَيَأْتِي، وَأَمَّا الْمَأْكُولُ فَضَرْبَانِ: بريٌّ وبحريٌّ.

فَأَمَّا الْبَحْرِيُّ فَيَأْتِي وَأَمَّا الْبَرِّيُّ فَضَرْبَانِ: دَوَابُّ وطائرٌ:

<<  <  ج: ص:  >  >>