للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالثَّانِي: مَنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ أَمِينًا فِي رَدِّ مَا بِيَدِهِ وَهُوَ مَنْ يَدُهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ كَالْمُرْتَهِنِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّ الرَّهْنِ عَلَى رَاهِنِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْهُ، فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَيْهِ.

وَالثَّالِثُ: مَنِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي قَبُولِ قَوْلِهِ عَلَى مُؤْتَمِنِهِ وَهُوَ مَنْ كَانَ نَائِبًا عَنِ الْمَالِكِ، لَكِنْ لِنَفْعٍ يَعُودُ عَلَيْهِ فِي نِيَابَتِهِ كَالْعَامِلِ فِي الْقِرَاضِ وَالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ. فَفِي قَبُولِ قَوْلِهِمْ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُمْ مَقْبُولٌ فِي رَدِّ مَا بِأَيْدِيهِمْ لِنِيَابَتِهِمْ عَنِ الْمَالِكِ وَهُوَ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ: أَنَّ قَوْلَهُمْ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي رَدِّ مَا بِأَيْدِيهِمْ، لِأَنَّ عَوْدَ النَّفْعِ إِلَيْهِمْ يَجْعَلُهُمْ كَالْمُتَصَرِّفِينَ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمْ، فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمْ كَالْمُرْتَهِنِ. فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا لِلْأَصْلِ فَالْوَكِيلُ إِنْ كَانَ مُتَطَوِّعًا فَقَوْلُهُ فِي رَدِّ مَا بِيَدِهِ مَقْبُولٌ عَلَى مُوَكِّلِهِ، وَإِنْ كَانَ بِأُجْرَةٍ فَفِي قَبُولِ قَوْلِهِ وَجْهَانِ:

فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِمَّا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَهُوَ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ إِذْنًا فِي تَصَرُّفٍ كَقَوْلِ الْوَكِيلِ: أَمَرْتَنِي بِبَيْعِ كذا، أو بإعطاء زيدا كَذَا، فَيُنْكِرُ الْمُوَكِّلُ ذَلِكَ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ، لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى بِمَثَابَةِ مُدَّعِي عَقْدِ الْوَكَالَةِ، وَمُدَّعِي الْوَكَالَةِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ادِّعَائِهَا. فَكَذَلِكَ مُدَّعِي الْإِذْنِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ادِّعَائِهِ. وَكَذَلِكَ إِذَا اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ وَاخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ، كَقَوْلِ الْوَكِيلِ أَمَرْتَنِي بِإِعْطَاءِ زَيْدٍ أَلْفًا. فَقَالَ: بَلْ أَمَرْتُكَ بِإِعْطَائِهِ ثَوْبًا. وَكَقَوْلِهِ أَمَرْتَنِي بِبَيْعِ عَبْدِكَ بِأَلْفٍ فقال لا بَلْ أَمَرْتُكَ بِأَلْفَيْنِ. فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ دَعْوَى الْوَكِيلِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا عَلَى ادِّعَائِهِ وَالْبَيِّنَةُ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ لَا غَيْرَ، لِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ فِي إِثْبَاتِ وَكَالَةٍ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي قَبُولِ قَوْلِ الْوَكِيلِ فِيهِ عَلَى مُوَكِّلِهِ، فَهُوَ أَنْ يُوَكِّلَ فِي عَمَلِهِ فَيَدَّعِي الْوَكِيلُ إِيقَاعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَيُنْكِرُهُ الْمُوَكِّلُ، كَتَوْكِيلِهِ فِي بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ إِقْبَاضِ مَالٍ. فَيُنْكِرُ الْمُوَكِّلُ ذَلِكَ مَعَ تَصْدِيقِ الْبَائِعِ وَالْمَنْكُوحَةِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُطَلَّقَةِ وَالْقَابِضِ وَالْمُعْتَقِ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَحْكِيَّانِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَوَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ.

فَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ الْوَكِيلُ بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَاهُ، وَالْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مُعْتَبَرَةٌ بِالْمَشْهُودِ فِيهِ مِنْ كَوْنِهِ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ وَإِنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهَا عُقُودٌ فَلَمْ تَلْزَمْ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>